بعد سقوط كل التكهنات بتأجيل إجراء الإنتخابات النيابية، أضحى الإهتمام مرتكزاَ على المسار الذي سيسلكه الإقتصاد اللبناني بعد إنقضاء هذا الإستحقاق يوم الأحد القادم، إذ أن الفترة التي تليها ستكون مليئة بإستحقاقات دستورية مهمة تحمل معها للبنانيين شبح الفراغ الحكومي والرئاسي وما يحمله من تاثيرات سلبية على الأزمة المالية والنقدية.
وفي هذا الإطار، رأى مدير الأبحاث في اتحاد أسواق المال العربية د. فادي قانصو في حديث الى موقعنا Leb Economy انه “دون شكّ يقف لبنان اليوم أمام مفترق طرق مصيري يضعه أمام سيناريوهين لا ثالث لهما”.
وسأل قانصو: “هل لبنان أمام تسوية سياسية جدّية تضعه أمام استقرار سياسي وأمني يؤسّس لعمل حكومي يحاكي متطلّبات الناس ويكون قادراً على مواكبة التحديات الجمّة وعلى إطلاق عجلة الإصلاحات الهيكلية المنشودة والسير قدماً في معركة النهوض الاقتصادي؟ أم أن البلاد مقبلة على مرحلة من الغرق في وحول “النكايات” السياسية في دولة باتت مشلولة أنهكتها النزاعات القائمة والتي لم تقدّم سوى أطباق من الفساد والمحاصصة والتجويع والإذلال والفوضى الخلاّقة؟”.
وقال قانصو : “السيناريو الأول أو التفاؤلي، هو رهن تسوية سياسية تعبّد الطريق أمام الإستقرار السياسي والأمني مباشرة بعد الإنتخابات، مع ضرورة تشكيل حكومة بشكل سريع وتفعيل عملها بشكل منتج لمواكبة عملية إطلاق برنامج إنقاذ شامل من أجل إعطاء صدقية للمساعي الإصلاحية المطروحة، ولإستعادة الثقة بالوضع الإقتصادي والسياسي والحكومي وثقة المغترب اللبناني والتأسيس لمرحلة جديدة ونهج جديد ورؤية إقتصادية جديدة.
واعتبر قانصو “أن هذا المسار الإصلاحي شاقّ وطويل ويشوبه عدد من التحديات والعراقيل، إذ يحتاج إلى توافر أربعة عناصر مترابطة لضمان نجاحه، صدق النوايا بين مختلف الأفرقاء السياسيين لضمان المناخ المؤاتي من الاستقرار السياسي والأمني، حكومة توحي بالثقة وذات مصداقية قادرة على تطبيق ما يلزم من إجراءات، الحشد الدولي والدعم المالي لتمويله، والأهم من ذلك عامل الوقت لتُترجم هذه الاصلاحات بشكل فعلي ونبدأ بقطف ثمارها”.
وتوقع قانصو في ظل هذا السيناريو أن نشهد في المرحلة الأولى ارتفاعاً في سعر الصرف، خاصة إذا ما أبرم لبنان اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي الساعي إلى تحرير سعر الصرف دون أي تدخل من قبل مصرف لبنان إلا في حال التقلبية الشديدة، لننتقل بعدها في المرحلة الثانية إلى عملية ضبط وتيرة ارتفاع سعر الصرف، خاصةً في حال نجحنا فعلياً في تعبيد الطريق أمام هذا السيناريو وتمكّنا من ضخّ الدمّ من جديد في شرايين الاقتصاد الوطني، ما من شأن ذلك أن يُؤمّن الإستقرار الإقتصادي المنشود والقادر على إخراج لبنان من فخّ الركود التضخمي في فترة قد لا تقلّ عن خمس سنوات، وذلك بالتوازي مع إستقرار مالي ونقدي من شأنه أن يوحّد أسعار صرف الدولار مقابل الليرة عند مستويات معقولة.”
ورأى قانصو “أن السيناريو الثاني أو التشاؤمي وهو الأكثر احتمالاً في الوقت الراهن، والذي ينطوي على فراغ حكومي في النصف الثاني من العام يليه فراغ رئاسي في مرحلة لاحقة، فهو بمثابة إنتحار جماعي، يحمل في طيّاته آفاق سوداوية في ما يخصّ سعر صرف الدولار، لا سيّما في ظلّ رفع دعم بات شبه كامل عن السلع الأساسية وتوجّه معظم تجّار السلع نحو السوق السوداء، أضف إلى ذلك انعكاسات إقرار الدولار الجمركي وغيره من الإجراءات الأخرى كالتعديل المرتقب في أسعار خدمات الإتصالات والإنترنت، على نسب تضخم الأسعار وعلى تآكل القدرة الشرائية للمواطنين، دون أن ننسى التوقف المرتقب لعمل منصة صيرفة وبالتالي التعميم 161 نظراً للشح الحادّ في احتياطيات مصرف لبنان الأجنبية.”
ووفقاً لقانصو “إن هذا السيناريو قد يترافق مع إضطرابات إجتماعية قد تدفع إلى إرتفاع معدّلات الجريمة والنشل والسرقة وبالتالي قد يأخذ البلاد باتجاه الفوضى “الخلّاقة”.
ولفت إلى أنه من المتوقع أن نشهد في كلا السيناريوهين ارتفاعات في سعر الصرف بعد الإنتخابات، ولكن إما أن ننجح في فرملة الانهيار وضبط سعر الصرف، وإما فإن المسار التفلتي ودون سقوف قد يكون هو السائد أقلّه في النصف الثاني من العام، خاصة في حال استمر الكباش السياسي وتحديداً إذا فشلنا في تشكيل حكومة بين استحقاقي الانتخابات النيابية والرئاسية، وهو أمر غير مستبعد على الإطلاق.”
المصدر : leb economy