ثمّة صورة غير واضحة المعالم بشأن الاعتمادات الخاصّة بالأدوية الواجب تأمينها في الأشهر المقبلة، بعد أن تُصبح الحكومة الحالية حكومة تصريف أعمال، لأنّ الأوضاع في لبنان تشغل بالَ المعنيين في القطاع الدوائيّ، في ظلّ ترقّب جلسة الحكومة الأخيرة نهار الخميس، إذ يخشى المعنيّون أن تمرّ الجلسة من دون إقرار خطة دوائيّة واضحة تغطّي الأشهر المقبلة، ممّا سيجعلنا أمام جريمة كبرى تتمثل بانقطاع الأدوية المزمنة والمستعصية والسرطانية في البلاد.
الجريمة الأولى تمثّلت برفع الدّعم الكليّ منذ أيّام عن الأدوية المزمنة، وإبقاء الدعم على الأدوية السرطانية الأرخص، والفرق بين الأدوية المدعومة والأدوية غير المدعومة كليّاً يصل إلى 17 ضعفاً (من 1500 إلى 26 ألف ليرة). وفي حال لم تُفتح الاعتمادات فلن نجد الأدوية على اختلافها. ورفع الدّعم من دون اعتماد البطاقة الدوائية ووضع خطة دوائيّة واضحة أشبه بالانتحار الصحيّ.
إلى ذلك، ثمّة ما يُثير الرّيبة والتوجّس في عدم فتح مصرف لبنان الاعتماد الذي أقرّه مجلس الوزراء منذ نحو أسبوعين تقريباً، والذي لم يقم بتنفيذه بعد؛ وقد يعود سبب التأخير إلى الروتين الإداري أو إلى سبب أخطر ومريب، لأنه لا يتأخّر عادة في فتح الاعتماد كما جرى اليوم (12 يوماً). وقد شهد لبنان سابقاً عدم فتح أيّ اعتماد لمدّة شهر بعد إعلان مصرف لبنان وصوله إلى الاحتياطيّ، وقرّرت الحكومة عندها اللجوء إلى حلّ من خلال أذونات السّحب، ممّا أدّى إلى إفراغ السوق تماماً من الأدوية، ولم يدخل وقتها أيّ دواء إلى لبنان.
وفي هذا الصّدد، يُشدّد نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة على أن “فتح الاعتماد ومباشرة الشركات المستوردة توضيب الأدوية وشحنها يتطلّب وقتاً يتراوح بين أسبوعين إلى 4 أسابيع. وفي حال فتح مصرف لبنان الاعتماد، الذي أقرّ في مجلس الوزراء اليوم، فسوف تصل الأدوية في نهاية الشّهر، وستغطّي جزءاً من احتياجات شهر حزيران، لأن المبلغ المرصود لا يكفي احتياجات كلّ السّوق اللبنانيّة (34 مليون دولار للقطاع الصحيّ، منها 25 مليون للأدوية)”.
ولكن لتغطية حاجات السوق في شهرَي تموز وآب، يجب التخطيط لهذه الاعتمادات، لأنه في حال المباشرة بالإجراءات في هذا الشهر تصل الشّحنة في شهر حزيران، وتُوزّع على السوق في شهر تموز. لذلك، وَفق جبارة “يجب استباق الأمور حتى لا نقع في المحذور، كما أن السبب الآخر الذي يدفعنا للمطالبة اليوم بإقرار هذه الاعتمادات يتثمل بالخوف من عدم القدرة على تشكيل الحكومة خلال فترة قصيرة؛ والسؤال الأهمّ: هل يُمكن للحكومة المستقيلة اتّخاذ قرارات مماثلة؟ وهل يعتبر مصرف لبنان القرار الصادر عن هذه الحكومة قابلاً للتنفيذ؟
تُطرح علامات استفهام كثيرة، ولا يُمكن ترك المرضى في ضياع كامل، في حين أننا قادرون على استباق المشكلة وإيجاد الحلّ للمرحلة المقبلة”.
إذن، من المهمّ ألا يترك مجلس الوزراء فراغاً بحكم استقالته، وأن يؤمن شهرياً وحتى إشعار آخر مبلغ الـ35 مليون دولار أميركيّ المتفق عليه للحاجات الملحّة، علماً بأنّ ذلك يؤدّي إلى تغطية احتياجات السّوق جزئياً، فيما نحن بحاجة إلى مبالغ أكبر لتلبية حاجة السوق كاملةً. أما في حال لم يقم المجلس بخطوة احترازية فسنكون أمام كارثة حقيقيّة، ولن يكون هناك أدوية للمرضى في منتصف شهر حزيران وما يليه.
هذه الصرخة يُطلقها أيضاً نقيب الصيادلة جو سلوم، الذي دعا كلّ المرضى، خصوصاً مرضى السرطان، إلى “التحرّك والتظاهر أمام مجلس الوزراء للضغط على المجلس، الذي سيعقد جلسته نهار الخميس، التي ستكون الأخيرة، لإقرار خطة دوائيّة واضحة، وتسليم مجموعة خاصّة الملف لتأمين الدواء، واعتماد البطاقة الدوائيّة، والدعوة إلى مؤتمر للمانحين خلال الأشهر الخمسة المقبلة، قبل تشكيل حكومة جديدة، وإلا سيكون مرضى السرطان وكلّ مرضى لبنان بخطر”.
وعن رفع الدّعم الخاصّ بالأدوية، يؤكّد سلوم أنّ “رفع الدّعم الكلّيّ حصل عن الأدوية حتى المزمنة منها، باستثناء بعض الأدوية السرطانيّة. لذلك، نحن بحاجة إلى إقرار خطّة لتأمين الأدوية خلال هذه الفترة، والإبقاء على فتح الاعتمادات، وإلا سنصبح على شفا كارثة حقيقيّة، ولن يكون هناك أدوية للمرضى”.
المصدر : النهار