كتب د. فؤاد زمكحل في” الجمهورية”:
صُدّق أخيراً مرسوم غلاء المعيشة لبعض المساعدات الإقتصادية والإجتماعية في ظل أزمة قاهرة وتضخّم مخيف. وعلينا دراسة هذا القرار الأخير بموضوعية وشفافية، كما مراجعة تنفيذه وتداعياته والمردود على هذا الإستثمار الخجول والوهمي.
علينا ان نُذكّر بأسف وحزن، بأن الشعب اللبناني، المودعين والشركات وحتى الدولة اللبنانية خسرت حتى تاريخه، أكثر من 85% من إيداعاتها ومداخيلها ومعاشاتها، إذا بقي لها أي مدخول. وفي الوقت عينه إزدادت الكلفة المعيشية بأضعاف مخيفة وتاريخية تُراوح بين 1500% و 2000% حتى الساعة.
لا شك في أنّ مواجهة الأزمة المالية، النقدية والإقتصادية الفريدة من نوعها، أمر صعب للغاية. لكن من المستحيل إتخاذ قرارات عشوائية مستقلة وفريدة على المدى القصير من دون بُعد وخطط على المدى المتوسط والبعيد. هذا يعني أنّ أي قرار من دون إستراتيجية ورؤية متكاملة ومتجانسة على محطات عدة، فملاحقة وتنفيذ دقيق، لن يكون له أي مردود بل سيكون كمَن «يضرب السيف بالماء».
إن إقرار زيادة الكلفة المعيشة لا يُمكن تناوله سلباً، لكن السؤال المهم هو الإستفادة الحقيقية للمستحقين، وكيف ستُدفع هذه المساعدة بالكاش أو بالتحويلات المصرفية. علماً أن هناك «هيركات» مبطّناً على كل الحسابات المصرفية وحتى بالعملة الوطنية.
هذه «إبرة الماء» لن تساعد المستفيدين، بل ستزيد الضغوط على الإقتصاد. وقد وُلد المشروع ميتاً، لأنه تبخّر بالتضخم حتى قبل تنفيذه. فهناك «لعبة خطرة» تدور، وهي إعطاء بيد خجولة بعض المساعدات المعيشية الوهمية، والأخذ بيد أخرى مضاعفات من الكاش لأقل الحاجات المعيشية (50% للسوبرماركات، و100% للأدوية والإستشفاء) وقريباً إقتصاد 100% مُدَولر مع مدخول بالليرة اللبنانية التي سقطت قيمتها وحتى وجودها.
إن هذا الواقع المرّ، يتابع الحفر في هذا النفق السوداوي، وهذه القرارات العشوائية، وما يُسمى «إبر المورفين» الوهمية، لن يكون لها أي مردود إلاّ مزايدة ومساعدة السوق السوداء. فإذا كانت النية الصافية حقيقة، فلتكن هذه المساعدة بالعملة الصعبة عوضاً عن العملة المنهارة المفقودة.
فإن إستراتيجية الحلقة المفرغة لتأجيل المشاكل وكسب الوقت خطر، لأن الأزمة تتفاقم. فالكل يعلم أن إقتصادنا أصبح مدولراً بامتياز. الحقيقة المرة والواقعية هي ربما تحويل الرواتب والمعاشات إلى الدولار الأميركي، حتى بقيَم أقل وضئيلة، لكن في الحد الأدنى تحمي قيمتها وقدرتها الشرائية.
إن القطاع الخاص اللبناني يُعيد النظر شهرياً بمداخيل عماله، الذين يعتبرهم من عائلته الكبرى، وحتى قسم من الشركات التي إستطاعت التوريد، تُعطي قسماً من المداخيل بالعملة الصعبة، لتُحافظ على الموارد البشرية الذين هم أركان هذه المؤسسات.
أما القطاع العام، فلا شك في أن عليه إعادة الهيكلية الداخلية والحدّ من كل الوظائف الوهمية المسؤولة جزئياً عن هذا الإنهيار، وعليه مساعدة الصالحين والمبتكرين من ضمنه، ومراجعة مداخيله بتدقيق شفّاف لتخفيض الكلفة وزيادة الإنتاجية.
في المحصّلة، ما نشهده اليوم هو إدارة الأزمة بإنكار وفشل، بالطريقة عينها، كيف بُنيت هذه الأزمة الأكبر دولياً. فهذه القرارات العشوائية وقصيرة المدى، لا تشبه حتى «إبر المورفين» لكن هي فقط لمحاولة كَبت الغضب وإرجاء المشكلة الأساسية وطمر الرأس بالتراب مرة أخرى.