مع اقتراب موسم الصيف، فوجئ اللبنانيون، خصوصًا أصحاب المداخيل المتوسطة، من ارتفاع أسعار الدخول إلى مناطق الألعاب المائية والمسابح، بعدما وضعت المنتجعات السياحية أسعارها لهذا الموسم. ففي أقل تقدير يتوجب على العائلة المكونة من 4 أشخاص أن تدفع ما لا يقل عن مليون و600 ألف ليرة لبنانية لارتياد شاطئ البحر، أي ما يوازي تقريبًا راتب شهر لشريحة كبيرة من الموظفين في لبنان.
وضجت وسائل التواصل الاجتماعي بأسعار المنتجعات السياحية التي تضاعفت هذا العام، مقارنة بالعام الماضي. حتى أن بعض المؤسسات وضعت تسعيرتها بالدولار، ما جعل كثرة من المغردين يقارنون الأسعار بالدول المجاورة، وتبين أن الرحلة إلى الشواطئ التركية قد تبدو أرخص من الاصطياف في لبنان.
اعتاد العديد من اللبنانيين الهرب من انقطاع التيار الكهربائي، نحو المنتجعات والشاليات البحرية. لكن تكلفة الإقامة قرب البدر هذا الموسم تتخطى حاجز 130 مليون ليرة، وتصل في أحيانًا كثيرة إلى 150 مليون وأكثر. فقد وضعت بعض المؤسسات السياحية تسعيرتها بالدولار، وتبدأ من 50 دولارًا في الليلة الواحدة، وترتفع. ما يعني أن إيجار شاليه لموسم كامل يتخطى 4500 دولار، وقد يصل إلى 6000 أو 7000 دولار. هذه الأسعار لم تكن موجودة العام الماضي أو حتى قبل الأزمة، إذ لم يكن إيجار الشالية يتخطى شهريًا 1000 دولار.
حسب إسماعيل علي، الذي يدير منتجعًا سياحيًا في منطقة خلدة جنوب العاصمة، فإن ارتفاع الكلفة التشغيلية فرضت هذا التغيير في الأسعار. ويقول لـ”المدن”: “قبل عامين لم يكن لبنان يعاني من أزمة وقود أو كهرباء كما هي اليوم. وهذا ما فرض على أصحاب المنتجعات السياحية واقعًا جديدًا. فالخسائر من العامين السابقيين بسبب الأزمة السياسية وغياب السياح، دفعا بعض أصحاب المنتجعات السياحية إلى إقفال مؤسساتهم”.
كانت التكاليف التشغيلية السبب الرئيسي في ارتفاع أسعار الشاليات، فما هي المبررات لارتفاع أسعار الدخول إلى المسابح ومناطق الترفيه المائية؟
تبدي الممرضة منى أبو عمو دهشتها من ارتفاع الأسعار. وتقول لـ”المدن”: “ارتفعت الأسعار بشكل غير مبرر، وكأن الزيادة التي وعد بها القطاع الخاص تبخرت قبل أن تصل إلى جيوبنا”. وحسب أبو عمو، قد يتفهم اللبناني ارتفاع أسعار السلع الغذائية بسبب مشاكل الاستيراد وغيرها، ولكن من المستغرب جدًا ارتفاع رسوم الدخول إلى المسابح والمنتجعات.
وتضيف أبو عمو: “لم يحدث أي تغيير في المشهد الاقتصادي بين العام الماضي والحالي. فأزمة الوقود، أو انقطاع التيار الكهربائي، بدءا منذ صيف العام الماضي. ورغم ذلك كانت الأسعار مقبولة نوعًا ما، فلم تتخطى تكلفة الدخول إلى المسابح أكثر من 150 ألف ليرة”.
بالنسبة لأبو عمو- وهي تتقاضى راتبها بالليرة اللبنانية- باتت فكرة الاستجمام مستبعدة كليًا هذا العام. لأنها ببساطة قد تحتاج إلى راتبها الشهري الذي لا يتجاوز مليوني ليرة، لدفع تكاليف قضاء يوم ترفيهي.
ارتفعت رسوم الدخول إلى المنتجعات السياحية بين العام 2020 و2022 أكثر من 5 أضعاف. ففي العام 2020 كانت تكلفة الدخول إلى المسبح تتراوح ما بين 60 و75 ألف ليرة. وفي العام الماضي لم تتخط حاجز 150 ألف ليرة، فيما هذا العام تتراوح الأسعار ما بين 300 و 500 ألف ليرة، تبعًا للمنطقة والخدمات.
لنتخيل أن نحو 15 في المئة من أساس الراتب يوازي تذكرة استجمام ليوم واحد. وهذه الأسعار حسب الأمين العام لاتحاد النقابات السياحية جان بيروتي، تخضع لتقييم المنتجع السياحي نفسه، وليست مفروضة من قبل أي جهة نقابية. ويقول: “القطاع السياحي عانى بسبب الأزمة السياسية خلال الفترة الماضية، وتكبدت العديد من المؤسسات السياحية خسائر كبيرة، دفع بعضها إلى إقفال أبوابها. واليوم، وبعد انتخاب مجلس نيابي جديد، يتطلع القيمون على القطاع السياحي إلى تحسن الأوضاع، وأن يكون موسم الصيف هذا العام، مربحًا”.
إن كانت التكلفة التشغيلية المحرك الرئيسي لفرض هذه الأسعار، فهل هذا يعني أن الأسعار مرشحة للمزيد من الارتفاع؟ حسب بيروتي، من غير المرجح أن تشهد الأسعار أي ارتفاعات إضافية. لكن ذلك ليس محسومًا. يقول: “إن كانت التكاليف اليومية لإدارة منشأة سياحية ليست ثابته بسبب سعر الدولار، وإن كان أصحاب المولدات، أو موزعي الوقود يطلبون تسديد فواتيرهم بالدولار الفريش، فهذا، يزيد من الأعباء على المؤسسات السياحية، ويدفعها إلى رفع أسعارها”. ويضيف “معظم أصحاب المنتجعات تكبدوا خسائر بسبب التكلفة المرتفعة، خصوصًا تكلفة الكهرباء. ففي المؤسسات السياحية العالمية تستحوذ الطاقة على نسبة 3 أو 5 بالمئة. أما في لبنان فتستحوذ الطاقة على أكثر من 80 بالمئة من التكلفة، ناهيك عن تكاليف شراء المستلزمات الأساسية لتجهيز المسابح، مثل مواد الكلور وغيرها التي تسدد بالدولار الفريش”.
إذا كانت جميع الفواتير تسدد بالدولار الفريش، فهل يعني هذا أن تتجه المنتجعات السياحية إلى فرض تسعيرتها بالدولار؟ ينفي بيروتي ذلك. فهناك عرف متبع من المؤسسات، يفيد أن تكون الأسعار بالليرة اللبنانية، وأن يتم تصديقها في وزارة الاقتصاد. ولكن هناك ظروف تفرض نفسها في الكثير من الأحيان، ورغم ذلك تحاول المؤسسات السياحية أن لا تتخطى العرف المتبع. ولكن لا يوجد أي مانع من تقييم ظروفها وفرض أسعارها بالعملة الأجنبية. لذا يرى بيروتي، أن مساندة الدولة على الأقل بتوفير الطاقة، يساعد في خفض الأسعار.
أمام هذا الواقع، لا يبقى أمام المواطن اللبناني سوى الاستجمام على الشواطئ العمومية، كسائر الدول في المنطقة. إلا أن هذا الخيار قد لا يكون أيضًا متاحًا للكثير من اللبنانيين. أولًا، بسبب تقليص مساحة الشواطئ، وتركزها في مناطق معينة، وثانيًا، لأن الوصول إلى بعض الشواطئ يتطلب من اللبناني دفع ما لا يقل عن 600 أو 700 ألف ليرة للوقود، بعد شح مادة البنزين في المحطات، وبيعها بأكثر من 600 ألف ليرة. إذ يصعب على اللبناني التحرك من بيته إلى أي منتجع سياحي بسبب ارتفاع أسعار الوقود.
ch23