كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:
إنعكاساً لكل الأزمات المالية والسياسية التي لم يضع السياسيون الحلول المؤاتية لها على السكّة الصحيحة، يتابع سعر صرف الدولار ارتفاعه الجنوني كاسراً الحواجز الإصطناعية التي وضعت للجمه لفترة وجيزة، فتخطى أمس عتبة الـ34 ألف ليرة وهو رقم قياسي جديد في تاريخ السوق السوداء في لبنان، قبل أن يتراجع 550 ليرة الى 33450 ليرة مساءً. ويعود سبب القفزات السريعة واليومية التي تحققها العملة الخضراء، والتي بلغت نسبتها منذ انتهاء الإنتخابات النيابية اي منذ نحو 9 أيام 27%، الى الأسباب التي باتت معروفة وهي شحّ العملة المحلية، والضبابية السياسية المخيّمة على الأجواء، والحدّ من ضخّ مصرف لبنان كميات كبيرة من الدولارات في السوق، اضافة الى سبب رئيسي وهو تقليص عمل “صيرفة”، رغم إعلان مصرف لبنان تمديد العمل بالتعميم رقم 161 الذي يسمح بسحب الودائع بالدولار الأميركي وفق سعر صيرفة، لغاية تموز مع قابليته للتجديد.
وعلى ذمة المصارف، يعود تراجع أداء “صيرفة” الى انخفاض “كوتا المصارف” لدى مصرف لبنان، الى 10 آلاف دولار ثم 2000 دولار يومياً. وهذا الأمر أدى الى عدم تمكّن كل الأفراد الذين لديهم حساب خاص في المصرف من السحب وفق التعميم 161، وأعلن بعض المصارف جهاراً عن ذلك حاصراً عملية السحب بموظفي القطاع العام فقط. أما مصارف أخرى فلا تزال تسمح بالسحب للحسابات الخاصة ولكن بخجل، من خلال الصرّاف الآلي فقط ولفترة صباحية وجيزة لا تتعدى الساعة، والمحظوظ هو من يتمكن من سحب ودائعه بالدولار وفق سعر “صيرفة” الذي توسّع الفارق بينه وبين السوق السوداء بقيمة تفوق الـ9000 ليرة.
ولا يستغرب الخبير الإقتصادي باتريك مارديني خلال حديثه مع “نداء الوطن” هذا الإرتفاع الصاروخي لسعر صرف الدولار وقال: “كان ذلك متوقّعاً استناداً الى الوقائع. فالوتيرة الطبيعية للدولار هي تصاعدية والليرة تواجه الإنهيار بسبب عدم وجود اقتصاد يَسند العملة المحلية، فالنمو سلبي والإقتصاد يتقلص وبالتالي لا ثقة بالليرة والطلب يتزايد على الدولار”.
ولفت الى أن “استقرار سعر الصرف قبل الإنتخابات كان أمراً غير طبيعي وغير مستدام مدعوماً من مصرف لبنان عبر ضخ الدولارات من خلال “صيرفة” والتعميم رقم 161، الأمر الذي يسرع وتيرة خسارة الدولارات الموجودة في الإحتياطي وبذلك تصبح التغطية لليرة اللبنانية اقلّ”، مشيراً الى أن “التوجّه للتوافق مع صندوق النقد والإلتزام بذلك سيوفّر استقراراً معيناً، ولكن من دون حكومة أو في ظل ارتفاع نسبة الشك حول امكانية تشكيل حكومة جديدة جراء عوامل سياسية، سيزيد انهيار الليرة ويتفاقم الإقبال على شراء الدولار”.
وتزامناً مع الإرتفاع في سعر الدولار، تشهد عدادات الأسعار في السوبرماركات إرتفاعات كبيرة، الأمر الذي يزيد الفقر ويهدّد أمن اللبنانيين الغذائي عدا عن الدوائي والصحّي… بحيث حذر رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي من أنّ “الواقع الغذائي في لبنان لم يشهد أي تحسّن منذ شهرين، إنما إزداد سوءاً جراء الحرب في أوكرانيا والبلبلة في الأسواق العالمية، وكذلك جراء عودة سعر صرف الدولار الى الإرتفاع في السوق المحلية فضلاً عن الصعوبات التي يواجهها مصرف لبنان في تمويل المواد الإستهلاكية الأساسية كالقمح والبنزين”، منبّهاً إلى أنّ “أموراً لم تكن محسوبة بدأت تضغط بقوة على الأمن الغذائي للبنانيين، وتتمثل بما يسجله سعر صرف الدولار من إرتفاع متواصل سيؤدي حتماً الى إنخفاض القيمة الشرائية للعملة الوطنية، وبالتالي إرتفاع اسعار كل السلع ومنها المواد الغذائية”.