كتبت بولا مراد في” الديار”:
ذهبت «سكرة» الانتخابات النيابية ونتائجها، وانفجرت سريعا كل الازمات دفعة واحدة بوجه الناس اولا، ووجه البرلمان الجديد وحكومة تصريف الاعمال ثانيا. وكما كان متوقعا، بلغنا ذروة الانهيار بعد انتهاء مفعول «الحلول الترقيعية» التي اعتمدها مجلس الوزراء في الاسابيع التي سبقت الاستحقاق النيابي، مع تسجيل رقم قياسي وتاريخي لسعر صرف الدولار مقابل الليرة يوم امس، بعد وصوله لعتبة الـ ٣٤ ألفا، ما بدأ ينعكس تلقائيا جنونا بالاسعار مع وصول سعر صفيحة البنزين لحدود الـ ٦٠٠ ألف ليرة لبنانية.
وبحسب خبراء ماليين واقتصاديين، يمكن الحديث عن غياب للضوابط، وعن عدم وجود سقف محدد لارتفاع سعر الصرف الذي قد يبلغ قريبا الـ ٥٠ ألفا، في ظل عدم قدرة المصرف المركزي على التدخل للجم الارتفاع الحاصل كما فعل سابقا نتيجة بلوغ الاحتياطات مستويات غير مسبوقة. وبات واضحا ان اسباب انفلات سعر الصرف، الى جانب كونها مرتبطة حكما بالوضعين المالي والاقتصادي اللذين بلغا مرحلة غير مسبوقة من الهشاشة، الا انها مرتبطة كذلك وبشكل اساسي بالوضع السياسي الذي يشهد كباشا كبيرا على خلفية شد الحبال الحاصل داخل البرلمان بمحاولة كل فريق الاستحواذ على الاكثرية التي باتت مشتتة بين مختلف القوى السياسية. اضف الى ذلك الصراع على استحقاق انتخاب رئيس للبرلمان ونائب له، كما على شكل الحكومة ورئيسها، وصولا للكباش حول رئاسة الجمهورية، ما يهدد بفراغ على المستويات كافة وعلى ما تبقى من اعمدة الهيكل اللبناني المتصدع.
«رزق الله على الـ ٣٤الف»؟!؟!
وتصدّر يوم امس الملف المالي وانعكاساته على الاحوال المعيشية والاقتصادية المشهد اللبناني، بعد بلوغ سعر الصرف مستوى قياسي وتاريخي، ما ترك الناس بحالة صدمة.
وفيما حذرت مصادر سياسية عبر «الديار»من ان «ما نحن فيه ليس الا اولى مؤشرات الارتطام الذي سيشتد خلال اسابيع»، لافتة الى ان «لا حدود لما ينتظرنا من مآسى»، ذهبت الباحثة في الشأنين الاقتصادي والمالي والأستاذة الجامعية الدكتورة ليال منصور ابعد بتشاؤمها حيال الوضع قائلة لـ «الديار» : «سنصل الى ايام نقول فيها رزق الله عندما كان الدولار ٣٤ الفا!»مستهجنة «ربط البعض سعر الصرف بعوامل سياسية قد تسرّع او تبطىء صعود الدولار، لكنها غير مؤثرة على واقع الحال، فحتى السير بالاصلاحات لن يكون كافيا لوقف هذا المنحى التصاعدي الذي تدخل مصرف لبنان من خلال صرف ما بين ٦٠٠ مليون دولار ومليار دولار شهريا للجمه والحفاظ على سعر مؤقت ووهمي». وشددت منصور على ان «لا خطة اقتصادية قادرة ان تخفض سعر الصرف في بلد مدولر كلبنان، لان ما نحتاجه تغيير نظام سعر الصرف وليس خططا اقتصادية ايا كانت». وبما يؤكد التخبط الذي يعيشه المعنيون بالملف المالي، استعر السجال يوم امس بين نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي و»جمعية المصارف»، ففيما اعتبرت الاخيرة ان الدولة ومن خلال خطة التعافي ألغت ودائع الناس بـ «شحطة قلم»، اكد الشامي ان خطة النهوض بالقطاع المالي تحافظ على حوالي 90% من اموال المودعين، مشددا على ان «خطة الحكومة التي تم الاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي، تستند الى مبدأ تراتبية الحقوق والمطالب لاستيعاب الخسائر، بمعنى انه لا يمكن المساس بأموال المودعين قبل استنفاد رؤوس أموال أصحاب المصارف».
تشدد حزب الله
سياسيا، وفيما لا تزال النقاشات والمشاورات تتمحور حول استحقاق انتخاب رئيس للبرلمان ونائب له، مع انطلاق الحديث بشكل متواز باستحقاق تشكيل حكومة، علمت «الديار»ان رئيس المجلس الحالي نبيه بري سيعطي الوقت اللازم للاتصالات الحاصلة للتوصل الى تفاهمات، سواء بما يضمن حصوله على العدد الاكبر من اصوات النواب، وبخاصة المسيحيين منهم، او للاتفاق حول اسم نائب للرئيس لتفادي معركة كسر عضم نحن بغنى عنها تحت قبة البرلمان، باعتبار ان انطلاق العمل النيابي بمعركة من هذا النوع سيترك تداعياته على كل الاستحقاقات المقبلة. ولذلك فان بري قد لا يدعو الى جلسة الانتخاب قبل انقضاء الـ ١٥ يوما التي يحددها الدستور.
وبحسب المعلومات، لا يزال الانقسام سيد الموقف داخل فريق ٨ آذار الذي لم يتفق على اسم نائب للرئيس بعد السجال بين «أمل»و»الوطني الحر»، فيما يحاول حزب الله اقناع الطرفين ان فريقهم السياسي قادر على الاستخواذ على المقعد بسهولة في حال التوصل الى تفاهم ما، ويعتبر الحزب ان ذلك من شأنه ان ينسف كل ما يحكى عن اكثرية لصالح الفريق الآخر قادرة على فرض اجندتها السياسية انطلاقا من البرلمان.
وتشير مصادر سياسية مطلعة الى ان كلام السفير السعودي الاخير، الذي وصف فيه نتائج الانتخابات بـ «المشرّفة»، والتي أسقطت «كل رموز الغدر والخيانة وصناعة الموت والكراهية»، سيؤدي حتما «لتشدد حزب الله وحلفائه بالتعامل مع كل الاستحقاقات المقبلة، خاصة وان نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم كان واضحا مؤخرا حين قال: ان ٧٧ نائبا هم مع المقاومة، وبالتالي سيسعى الحزب لترجمة هذه الارقام عند كل محطة، واليوم اكثر من اي وقت مضى للرد على السعودية التي تعتقد انها انتصرت بالاستحقاق النيابي». وتضيف المصادر: «حتى ان كل المعلومات تؤكد انزعاج معراب من عدم ملاقاتها من باقي القوى والكتل للاتفاق على اسم نائب لرئيس المجلس يتم فرضه فرضا على حزب الله وحلفائه. فلا «الكتائب»وعدد كبير من المستقلين يرغب بوضع يده بيد جعجع، كما ان معظم نواب «التغيير»لا يجدون مصلحة لهم بذلك، ما يعني ان ما يُعرف بـ «القوى السيادية» تتجه لخوض المعركة الاولى مشتتة».
طرح عون «غير دستوري»
وكما كان متوقعا اقتحم ملف تشكيل الحكومة باكرا المشهد اللبناني في ظل الخلاف الكبير في وجهات النظر حول شكل الحكومة العتيدة، وهو ما دفع رئيس الجمهورية، كما نقل عنه زواره لطرح تجديد الثقة بالحكومة الحالية، وهو اقتراح يؤكد الخبير الدستوري سعيد مالك لـ «الديار»انه «غير دستوري، وانه في حال حصل سيكون سابقة في تاريخ لبنان»، مشددا على ان «اي حكومة تنبثق من مجلس النواب والمجلس الحالي مجلس جديد لا تشبه موازين القوى فيه ما كانت عليه في المجلس القديم ما يحتم تشكيل حكومة جديدة».
وكأنه لا ينقص اللبنانيين المآسي التي يتخبطون بها، جاء السجال بين رئيس الحكومة ووزير الطاقة حول ملف الكهرباء، ليفاقم نقمة الناس الذين باتوا على ثقة ان لا ضوء قريبا في آخر النفق، طالما التعاطي بهذا الملف لا يزال قائما على النكايات.
ويوم امس، تحدّى وزير الطاقة وليد فياض رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بأن يعلن العرض المُتكامل لمعمَلي الكهرباء الذي يتحدث عنه، مجدّداً نفي ما يتّهمه به. في المقابل، ردّ ميقاتي بتشكيكه في أن يكون فياض هو صاحب الرّدود عليه، طالباً منه التوقف عن إصدار البيانات.