جاء في ” الراي الكويتية”:
بعدما بَلَغَ لبنان “فمَ التنين” مع تَطايُرِ لهيبِ الانهيار الشامل في كل الاتجاهات، تجدّدتْ محاولةُ تبريد الحريق الكبير عبر إجراءاتٍ “تنويمية” للمصرف المركزي يُراهَن على أن تكون كفيلةً بجعْل بيروت تدخل مرحلةَ الأعاصير السياسية، على تخوم استحقاقيْ تشكيل الحكومة الجديدة والانتخابات الرئاسية، مع شراء المزيد من الوقت الإضافي الفاصل عن حصول ارتطامٍ تدافعتْ إشاراته السبّاقة في الأيام العشرة التي تلت الانتخابات النيابية ولن يكون ممكناً النجاة منه إلا بانتظامٍ سريع لعملية إعادة تكوين السلطة بحدّ معقول من التوازنات ذات الامتداد الإقليمي وتحت سقف خريطة الطريق المالية التي رسم خطوطَها الاتفاقُ الأولي مع صندوق النقد الدولي.
وغداة معاودة المصرف المركزي فتْح الباب أمام “جميع حاملي الليرة اللبنانية من مواطنين ومؤسسات ويريدون تحويلها الى الدولار” لـ “التقدّم بهذه الطلبات الى المصارف اللبنانية ابتداءً من الاثنين وذلك على سعر صيرفة”، بدت بيروت وكأنها التقطت أنفاسها التي كانت حُبست يوم الجمعة حين ناطحت العملة الخضراء في السوق الموازية سعر 40 ألف ليرة مُنْذِرةً بحرْق ما بقي من الأخضر واليابس، وسط بلوغ طنجرة الضغط المعيشية أعلى مستويات غليانها، قبل أن يباغت مصرف لبنان الأسواق بقراره الذي أرجأ الانفجار وساهم في غضون أقل من 24 ساعة بإعادة عقارب الدولار عشرة أيام إلى الوراء، إلى حدود 27 الف ليرة (بعدما تجاوز 38 ألفاً، الجمعة).
وسيكون إجراء “المركزي” الذي أرفقه بالطلب من المصارف ابتداء من الإثنين ولثلاثة أيام متتالية ان تبقي على فروعها وصناديقها مفتوحة يومياً حتى الساعة السادسة مساءً لتلبية طلبات المواطنين من شراء الدولارات على سعر “صيرفة” لمن سلّم الليرات كما دفْع معاشات الموظفين في القطاع العام بالدولار على سعر “صيرفة”، أمام اختبار مزدوج:
أولاً لمدى التزام المصارف بهذا القرار، وآلياته العملية ومدته وقدرة المركزي على تمويله.
ثانياً للكلفة الباهظة لـ”التعويم الاصطناعي والوهمي” لليرة، في ظل خشية من أن تمتدّ مرة أخرى (كما حصل منذ كانون الثاني وحتى موعد الانتخابات النيابية بهدف توفير ممر آمن لهذا الاستحقاق وقواه الرئيسية) إلى الرمق الأخير من الاحتياطي الالزامي الذي لا بدّ من إدارته بما يتكيّف مع مرحلةٍ مرشّحة لأن تكون مديدةً من التأزم الكبير على مساريْ تأليف الحكومة والانتخابات الرئاسية (موعدها الدستوري بين 31 آب و 31 تشرين الأول) واللذين باتا متشابكيْن في ذاتهما، كما أسيريْ التوازن السلبي الذي أفرزه استحقاق 15 أيار النيابي على صعيد البرلمان والغالبية المركّبة التي أنْتَجَها.
وإذ واكبتْ السلطاتُ اللبنانية ما اعتُبر الخرطوشة الأخيرة للمركزي – ورغم المخاوف من أن تكون بمثابة إطلاق رصاصة في الرأس- عبر إجراءاتٍ لتدارُك جنون فلتان الأسعار، وبينها فتْح دفاتر عمرها نصف قرن و”نبْش” المجلس الوطني لسياسة الأسعار (صدر قرار إنشائه العام 1974) وإصدار جداول سريعة بأسعار مخفّضة للمازوت والغاز (ملاقاةً لانخفاض سعر الدولار)، بالتوازي مع تحذيراتٍ للتجار من التفلّت من السقوف التراجعية للعملة الخضراء.