باسمة عطوي – نداء الوطن
يتهيأ أحد الفنادق الخمس نجوم في بيروت (بقي صامداً بالرغم من قرار نحو 10 فنادق من صنفه الإقفال العام الماضي)، لإستقبال موسم سياحي جيد هذا العام، على حد تعبير أحد المسؤولين الاداريين فيه لـ»نداء الوطن»، متوقعاً أن تكون نسبة إشغال الغرف ما يفوق الـ50 بالمئة وقد تصل إلى 70 بالمئة، بفضل إقبال السياح العراقيين والاردنيين على النزول فيه كونه يضم مسابح وشاطئاً رملياً أيضاً، لافتاً إلى أن الانتخابات النيابية جلبت حركة إشغال لا بأس بها منذ بداية شهر أيار لأكثر من فندق 5 نجوم في بيروت، وذلك بسبب زيارة البعثات الاوروبية والاعلامية الاجنبية لبنان لمتابعة الحدث. لكن الموسم السياحي ستظهر بوادره بوضوح إبتداء من منتصف حزيران المقبل.
كلام المسؤول الاداري يتطابق مع توقعات يطلقها خبراء في القطاع السياحي بأن الموسم الحالي سيكون ناشطاً على غرار العام الماضي، إستناداً إلى أرقام حجوزات شركات الطيران، والتي تُظهر أن الوافدين سيكونون في معظمهم من المغتربين اللبنانيين والسياح الآتين من دول العراق والاردن ومصر. ما يعني أن النشاط المرتقب للقطاع السياحي سيكون إما بسبب «الحنين إلى الوطن والتعلق به بالرغم من كل الظروف»، وهذا هو حال المغتربين، أو لأن السياح هم ممن تكيفوا مع ظروف لبنان الصعبة كما هو حال السياح العراقيين. أما الجهد الرسمي فهو غائب تماماً على غرار ما يحصل في باقي القطاعات.
بناء على كل هذه المعطيات يجوز السؤال كيف ستكون خريطة الموسم السياحي هذا العام؟ وإلى أي حد سيساهم في إنعاش الدورة الاقتصادية في بلد يعيش حالة إنهيار كاملة؟ وهل يمكن القيام بإجراءات إستباقية لمنع تكرار الانتكاسة التي أصيب بها القطاع العام الماضي بسبب أزمة المحروقات والكهرباء، ما دفع قسماً كبيراً من المغتربين والسياح إلى المغادرة في بداية شهر آب؟
سياحة من دون تسويق
يشرح وزير السياحة السابق أوديس كيدانيان لـ»نداء الوطن» أنه «في العام الماضي نشطت سياحة المغتربين وهذا ما سيتكرر في العام الحالي. أما إستقبال السياح الاجانب من مختلف الدول فهذا ما سنفتقد له لأنه منذ 3 سنوات وبلاد الارز هي قبلة سياحية لسياح من مصر والاردن والعراق فقط، أما مواطنو دول الخليج وأوروبا فلم يطأوا أرضنا لسببين. الاول إنتشار جائحة كورونا وتعطّل الحركة السياحية في كل بلدان العالم. والثاني غياب الترويج السياحي للبنان في الخارج، وهذا يتطلب الاتفاق مع شركات سياحة وسفر أجنبية للتعريف عن بلادنا كوجهة سياحية».
ويشير إلى أن «الامكانات المتواضعة لوزارة السياحة تمنع وجودها في المعارض السياحية الدولية التي تُقام سنوياً، بالاضافة إلى غياب التخطيط من قبلها والتمويل من الحكومة». لافتاً إلى أنه «هذا العام سنكتفي بالمغترب اللبناني الذي سيصرف أموالاً في السوق لكنه لن يُدخل مبالغ كبيرة جداً، لأن المداخيل الكبيرة تأتي من خلال السائح الخليجي والعربي والاوروبي»، ويوضح أن «دخل القطاع من المغتربين اللبنانيين يتراوح بين مليار وملياري دولار في العام، وهو مبلغ متواضع مقارنة مع 8 و 9 مليارات دولار الذي حققه القطاع في العامين 2017 و 2018».
يضيف: «في تلك الاعوام تحققت هذه الارقام العالية بفضل المنصة التي أُنشئت وتم خلالها دعوة 150 شركة سياحية عالمية إستطاعت جذب السياح الاوروبيين إلى لبنان بأعداد كبيرة. صحيح أن القدرة الشرائية لهؤلاء تختلف عن القدرة الشرائية للسائح الخليجي، لكن إرتفاع العدد سمح بتعويض غياب السائح الخليجي»، موضحاً أن «الارقام الصادرة عن منظمة السياحة العالمية والتي قدرت أن مداخيل السياحة في لبنان بلغت في العام 2018 نحو 8 مليارات و327 مليون دولار. وفي العام 2019 وبعد حكومة الرئيس سعد الحريري الثانية أخذت كل من الامارات العربية والسعودية قراراً برفع الحظر عن سفر رعاياهم إلى لبنان. وحصل نوع من الازدهار إلى أن وقعت حادثة قبر شمون في حزيران 2019. وحين إستعاد القطاع نشاطه وقعت أحداث الثورة والكورونا».
ويختم: «لا يمكن تنشيط السياحة بين ليلة وضحاها بل يحتاج إلى ترويج مسبق، وإذا أردنا الترويج للموسم السياحي المقبل علينا البدء بالعمل منذ الآن، وهذا ما يمكن أن تقوم به وزارة السياحة الحالية بالرغم من الإمكانات المتواضعة».
مليون لبناني في الصيف
على أرض الواقع وبلغة الارقام، يشير نقيب أصحاب الفنادق والمؤسسات السياحية بيار أشقر لـ»نداء الوطن « الى أن أرقام الحجوزات لشركات الطيران في لبنان مرتفعة. ويمكن أن يدخل الى مطار بيروت يومياً بين 10 و12 ألف شخص إبتداء من شهر حزيران، ولدينا 450 ألف لبناني يعملون في الخليج العربي و250 ألفاً في أفريقيا و150 ألفاً في أوروبا. وهؤلاء جميعهم مداخيلهم بالنقد «النادر» أي الدولار واليورو»، لافتاً إلى أنه «من المتوقع أن يستقبل الموسم السياحي هذا العام ما يقارب مليون مغترب أغلبهم يملكون منازل في لبنان. وهذا سيشجع (كما حصل في العام الماضي) السياحة الداخلية، بالاضافة إلى السيّاح العراقيين والمصريين والأردنيين لأن لبنان بالنسبة اليهم وجهة سياحية ومتأقلمين مع الوضع اللبناني، بالرغم من كل الصعوبات اللوجستية لكننا مستقرون أمنياً». ويوضح أن «هذا سيدفعنا للإتكال على السياحة الداخلية التي ستشغّل المناطق خارج بيروت لأن السياح الآتين من العراق ومصر والاردن 90 بالمئة منهم سيستقرون في بيروت، وبالتالي الإتكال هو على تفعيل السياحة الداخلية على الخط البحري خارج بيروت مثل جونية وجبيل والبترون ومناطق جبل لبنان من أهدن إلى جزين».
يضيف: «لا أرقام واضحة للحجوزات في الفنادق. وهي لا تزال خجولة نوعاً ما، وحين أتحدث عن سياحة داخلية فهذا يعني أن المغترب سيقيم في بيته، ولكن سيتنقل للسياحة داخل لبنان أسبوعياً، وهذا ما سيؤدي إلى إستفادة المناطق الجبلية»، لافتاً إلى أن «بيروت تعاني من العتمة وإنقطاع التيار الكهربائي مما سيدفع الجميع للتوجه إلى المناطق الجبلية هرباً من رطوبة العاصمة خلال شهري تموز وآب، واللجوء إلى الفنادق لأنها المؤسسات الوحيدة القادرة على تأمين الكهرباء لمدة 23 ساعة بالاضافة إلى ساعة الكهرباء من الدولة». ويشير إلى أن «هذا ما شكل مشكلة كبيرة لهذه المؤسسات لأن كلفة تأمين الكهرباء كبيرة جداً وستُضاف إلى كلفة تأمين المياه (بسبب عجز الدولة على تأمين المازوت للضخ) وكلفة إتصالات وهذه خدمات أساسية لإدارة أي مؤسسة سياحية».
يؤكد الاشقر أن «توليد الطاقة يستهلك 70 بالمئة من مداخيل مؤسساتنا. وما نتمناه أن تسجل نسبة التشغيل في الفنادق والمؤسسات السياحية ما يفوق 70 بالمئة كي نتمكن من تغطية نفقاتنا وتحقيق بعض الارباح. لأن الفنادق 4 و5 نجوم تؤمن خدمات أفضل لكن أعباءها المالية والتشغيلية أكبر»، مشيراً إلى أن «الموسم الماضي شكّل نوعاً من «الاوكسجين» للفنادق والمؤسسات السياحية لأن الكلفة التشغيلية كانت أقل (كان سعر طن المازوت مليوناً و400 ألف، واليوم بلغ سعره 35 مليون ليرة مما يعني أنه زاد 20 مرة)، وهذا الارتفاع سينعكس على باقي الخدمات بالاضافة إلى أن كل انواع الصيانة تتطلب الدولار الفريش».
ويختم: «إذا أراد المسؤولون السياسيون إعادة النهوض بهذا البلد عليهم تأمين الاستقرار السياسي والامني والاجتماعي، وإعادة العلاقات مع الدول العربية بطريقة سليمة، عندها يمكن للقطاع السياحي أن يؤمن للبنان أكثر من 3 مليارات التي يسعى المسؤولون للحصول عليها من صندوق النقد الدولي وفقاً لشروطه، لأنه في العام 2009 حققنا مداخيل بلغت 9.3 مليارات دولار. ونؤكد أنه يمكن إعادة هذه المداخيل إذا أوقفنا الهجوم على دول الخليج العربي وقمنا بتسوية علاقات لبنان مع المجتمع الدولي».
الكلفة التشغيلية تأكل الارباح
يوافق نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والباتيسري ودور اللهو طوني الرامي على أنه من المتوقع أن يعيش لبنان هذا الصيف موسماً عامراً بسبب مجيء المغتربين. لكنه يؤكد لـ»نداء الوطن» أن «القطاع يمر بمرحلة إدارة الازمة والصمود وإثبات الوجود لأننا نعيش مرحلة صعبة جداً، ولأن الكلفة التشغيلية لمؤسساتنا صارت باهظة سواء على صعيد المؤسسات أو الموظفين (مازوت وغاز وإجرة نقل )»، مشدداً على «أنهم حريصون على الصمود وليس على الربح في ظل كل هذه المصاريف وعلى البقاء على الخريطة السياحية في لبنان، بالرغم من تقلص عدد المؤسسات منذ بداية الازمة في العام 2019 من 8000 مؤسسة إلى 3500 مؤسسة اليوم، وتشمل كل المؤسسات التي تتعاطى الشراب والطعام وليس فقط المطاعم ودور اللهو».
يضيف: «في العام الماضي إمتد موسمنا لأشهر حزيران وتموز ومنتصف آب، بعدها إندلعت أزمة المحروقات والكهرباء مما أدى إلى مغادرة السياح والمغتربين. وبناء على الارقام يمكن القول إن هناك موسماً واعداً هذا العام من ناحية المغتربين اللبنانيين. ومن المفروض أن تكون الحركة ناشطة والحجوزات مرتفعة، لكن في المناطق الجبلية والمرتفعات وخارج بيروت (نحو 70 بالمئة وتصل في بعض المناطق إلى 90 بالمئة في بيوت الضيافة)».
يعتبر الرامي ان «بيروت عاصمة منكوبة سياحياً ومتروكة وخسرت أكبر 10 فنادق 5 نجوم في وسطها، ولهذا يمكننا القول إن لبنان بات وطناً بلا عاصمة سياحية. وهذا أمر مؤسف لأن الحركة عادة تبدأ من العاصمة وتنتشر إلى المناطق، أما في لبنان فالوضع معكوس وسيكون لدينا سياحة داخلية جيدة إستناداً إلى 5 بالمئة من اللبنانيين الذين يملكون الدولار الفريش، بالإضافة إلى المغتربين والسياح العراقيين والمصريين والأردنيين».
ويختم: «نحن على جهوزية والقطاع سيقدم خدماته بأفضل الأسعار والنوعية لإستقطاب المغتربين والسياح، وننسق مع وزارة السياحة لكن قدرات الدولة متواضعة جداً في ظل هذا الوضع».