خلافاً للعادة، لم يلق قرار حاكم مصرف لبنان الأخير تجاوباً لدى المواطنين، فالتعقيدات التي رافقته حالت دون تمكّن المودع من تحويل أمواله من الليرة اللبنانية إلى الدولار، هذا ناهيك عن عمولة المصارف المرتفعة وتتجاوز 12 بالمئة تقريباً، في حين عجز كثر عن تحويل أموالهم إلى الدولار لحاجتهم إلى تقديم طلب يتطلب 48 ساعة لبتّه. كل ذلك جعل من قرار الحاكم غير ذي قيمة، ولم يمدّ السوق بجرعة تفاؤل، على العكس يراه علي جابر»قنبلة موقوتة» و»قراراً من دون جدوى»، و»أنا متشائم منه» يردد وهو ينتظر بتّ طلب تحويل أمواله إلى الدولار.
بحسبه، «المصارف تعتمد سياسة معقدة في تحويل الأموال، تسرقنا مرتين أيضاً، تأخذ عمولة 10 بالمئة على الأموال، وحين تحوّلها إلى الدولار تأخذ 2 بالمئة، اي ان الصرف يكون بموازاة السوق الموازية»، وهذا ما يعتبره جابر «ضحكاً على اللحى».
الخطوة الترقيعية الجديدة لسياسة المصرف المركزي لم تحظ بثقة الناس، لم يتهافتوا إلى المصارف لتحويل أموالهم الى الدولار، وكانت الحركة أقل من عادية، وكأن الكل انتظر مزيداً من هبوط منصة صيرفة، والبعض رآه غير مجد لأن الفرق بين سعر منصة صيرفة والسوق السوداء ليس كبيراً.
على عجل أتى محمد إلى المصرف، هي المرة الاولى التي يرغب فيها في الاستفادة من تعاميم مصرف لبنان، أراد أن يحول أمواله بالليرة اللبنانية إلى الدولار، فهو يدرك أن سعره سيرتفع بشكل كبير، يريد الاستفادة قليلاً، غير أنه صدم بقرار البنك القاضي بضرورة تقديم طلب مسبق للأمر يأخذ 48 ساعة، وهو أمر اعتبره محمد بمثابة «استخفاف بعقول الناس، لأن المصارف تسرق أموالنا، على عينك يا تاجر، وحين نرغب بتحويلها دولاراً تتبع القانون، أين هو القانون الذي حرمنا ودائعنا؟».
ليس محمد وحده الذي استشاط غضباً من آلية تطبيق تعميم مصرف لبنان، أيضاً منال وقد اعتبرته ترقيعياً من دون جدوى، لم تستغرب عدم إقبال الناس بالطوابير إلى المصارف، «فالناس مفلسون والبنوك سرقت باقي مدخراتهم، والتعميم جاء لمصلحة الكبار وليس الصغار، فهو فصّل على المقاس».
امام ماكينة الصراف الآلي وقفت سوسن تنتظر سحب المساعدة على راتبها، ولم تتجاوز الـ40 دولاراً، فالمساعدة ذهبت فرق عملة على حد قولها، بل تدفع بالتقسيط وتعتبر أن الذل تجاه الموظف بات مفضوحاً ويجب وضع حد له، فهي ترى بقرارات الحاكم «زوبعة في فنجان» لا تخدم إلا الرؤوس الكبيرة، أما نحن فطالعة براسنا».
لم تتمكن سوسن من سحب المساعدة سابقاً، فالمنصة «دايما معطلة»، ما اضطرّها للمجيء باكراً لسحب ما تبقّى لها خشية نفاد كمية الدولارات، صحيح أنها لم تفاجأ بالزحمة، ولا بطوابير القادمين للحصول على دولار فريش غير انها تفاجأت بتوقف المنصة التي لم تفتح قبل العاشرة صباحاً، ما حدا بها للقول «لا يكفينا سرقة إلا وذل أيضاً».
لم تمرّ «ترقيعة» المصرف على الناس، فهم يرونها فخاً لا أكثر لسحب الليرة والدولار في آن، ربما كانت ذات فائدة لو كان الفرق كبيراً بين السوق السوداء والمنصة، ومع ذلك جرب يوسف حظه، قرر تحويل راتبه إلى الدولار للاستفادة من 300 الف ليرة زيادة، «بيشتروا نص تنكة بنزين» على حد قوله، أيقن يوسف أن تعميم المصرف المركزي خدعة كبيرة، غير أنه يراه «قرقشة ولا الجوع» فهو على الأقل هدّأ فورة السوق قليلاً، وحدّ من فلتان الدولار وإن رآه تمريرة ذكية لتقطيع انتخاب رئيس المجلس.
ثلاثة ايام من عمر تعميم مصرف لبنان، ستهدئ السوق قليلاً، سينخفض الدولار أكثر، ربما منصة صيرفة، وكأن اعجوبة فجأة حصلت، قلبت موازين اللعبة، احد لا يخفي ان السياسة دخلت على الخط على قاعدة « مرقلي تمرقلك» وهي سياسة لا تعدو كونها سياسة تقطيع الوقت لا أكثر فيما الهدف من خلالها يبقى مجهول الهوية.
ch23