كتب أنطوان فرح في “الجمهورية”:
الاجراء الاستثنائي الذي اتخذه مصرف لبنان في الايام القليلة الماضية لجهة ضَخ الدولارات في السوق بلا سقف، لتلبية الطلب على العملة الخضراء بهدف خفض سعر الصرف، لا يزال يتفاعل بسبب التساؤلات التي يثيرها.
كثيرة هي الاسئلة التي يثيرها قرار ضخ الدولارات من الاحتياطي المتبقي، ومن أهمها، التالي:
أولا – حجم التداول عبر منصة صيرفة ارتفع بنسبة كبيرة عما كان عليه قبل القرار، بحيث انه تم تداول حوالى نصف مليار دولار في غضون اربعة ايام. مما دفع البعض الى التساؤل عن كمية الاموال المتبقية من الاحتياطي الالزامي في مصرف لبنان.
ثانيا – ليس معروفاً بعد الى متى سيستمر تنفيذ هذا القرار، ومتى قد يبدأ المركزي الهبوط التدريجي، ام أنه قد يضطر الى وقف التنفيذ كلياً، وبشكل مفاجئ.
ثالثا – من اتخذ قرار الضَخ شبه المفتوح للدولارات في السوق.
رابعا – بالاضافة الى المواطن العادي الذي استفاد جزئيا من القرار، من هم المحظوظون ومن هي الجهات التي تستفيد من هذا الوضع لتحقيق ارباح خيالية وغير شريفة على حساب مستقبل البلد؟
من أجل تسليط الضوء على النقاط الآنفة الذكر، لا بد من توضيح مسألة مهمة تتعلق بحجم التداول. اذ يعتبر البعض انّ المبالغ التي تعلن عنها صيرفة يمكن اعتمادها لتقدير حجم المبالغ التي ضَخّها المركزي. لكن الواقع انّ مصرف لبنان يعمد الى اعادة شراء قسم من الدولارات من السوق. وبالتالي، فإنّ المركزي لم يخسر من احتياطه نصف مليار دولار في ٤ أيام لكنه خسر حتماً مبالغ محترمة على اساس انه اشترى الدولار في هذه الفترة على سعر وسطي بلغ ٣٢ الف ليرة، وباعَه على سعر ٢٤ الف ليرة.
النقطة الثانية المتعلقة بالفترة التي سيستمر خلالها ضخ الدولار خلالها غامضة، وقد تكون مرتبطة بحسابات سياسية وشخصية. وحتى الآن، ليس واضحاً بعد من يتخذ قرار ضخ الدولارات. هل هو حاكم المركزي منفرداً، ام انه يلبّي رغبة سياسية من طرف يَمون عليه؟ وهناك شبهة دائمة في التوقيت.
لكن النقطة الأخطر تتعلق بالمستفيدين من هذا الوضع الشاذ. وعندما يتحدث صندوق النقد الدولي عن نمو الفساد بسبب تعدّد اسعار الصرف، إنما يكون المقصود بشكل خاص المضاربين الذين يجنون ثروات من اموال المودعين، ويحرمون اصحاب الحقوق الأمل في استرداد حقوقهم المالية. وهناك من يسأل في صندوق النقد، عن آليات المراقبة المعتمدة لضبط حركة بيع الدولارات وشرائها. بمعنى آخر، من يضمن انّ المضاربين الكبار لا يبيعون الدولار في السوق السوداء على سعر مرتفع ومن ثم يعيدون شراءه عبر صيرفة. وقد يكررون العملية مرات عدة، ويجنون ثروات غير شرعية؟
وللعلم، إنّ قضية المضاربة بالكاش صارت رائجة عند الكثير من التجار الكبار، لا سيما المستوردين منهم. هؤلاء استساغوا تجارة العملة النقدية سواء بالليرة او بالدولار. واللافت انّ بعضهم يبيع الكاش الى مصارف ينقصها النقدي. ويبدو ان هذه التجارة تعود بأرباح على هؤلاء تفوق نسبة أرباحهم في مشاريعهم التجارية.
وفي عودة الى مسألة إفساح المجال امام المضاربة بالدولار من خلال الفارق بين سعرَي السوق السوداء وصيرفة، فإنّ السؤال الأهم هو: ما دام مصرف لبنان قرر ضَخ الدولارات في السوق لوقف تدهور الليرة، لماذا لم يضخ كميات كافية لخفض الدولار في السوق السوداء الى مستوى سعر منصة صيرفة؟ فبهذه الطريقة فقط يمكن إغلاق الطريق على المضاربين. الا اذا كان الامر مقصودًا، وهنا تكون المسألة أشد خطورة من تهمة تبديد ما تبقّى من احتياطي وطني، الى تهمة «سرقة» هذا الاحتياطي من خلال تقديمه على طبق من فضة الى المضاربين.