أليس ثمة من مكان آخر غير عنق، أو قعر، الزجاجة لانتظار ما تؤول اليه خارطة الشرق الأوسط في لعبة الأمبراطوريات؟ هكذا يفترض أن يكون عنوان كتاب مايلز كوبلاند «لعبة الأمبراطوريات» لا «لعبة الأمم». نحن كأمة ضائعة المثال. كرنفال القبائل أم كرنفال الدمى؟ لا أميركا تريد (أو تستطيع) أن تخوض الحرب في منطقة، لم نعد ندري ما اذا كانت تقع على خط الزلازل أم على خط الحرائق. «اسرائيل» أيضاً لا تريد (ولا تستطيع) أن تخوض الحرب بعدما أصغت، ربما للمرة الأولى، للرأي الأميركي بأن النيران قد تمتد الى سائر أرجاء المنطقة. هنا الصراعات العبثية، غالباً ما تكون الصراعات الأبدية، التي وضعت دولاً بأسرها على فوهة البركان.
لطالما استعدنا وصف برنارد لويس للمنطقة بـ «العربة العتيقة التي تجرّها آلهة مجنونة». بكل فظاظة، ربما بكل واقعية، كتب الفيلسوف الفرنسي ادغار موران عن «أولئك الذين وضعوا الله وراء القضبان»، والا هل كان لتلك الأرض التي استضافت آدم وحواء، أن تبقى دوامة الدم؟ جو بايدن، وعشية الانتخابات النصفية للكونغرس خلال الخريف المقبل، يعاني من اهتزازات، بما فيها اهتزازات ايديولوجية، داخل الحزب الديموقراطي، وحيث يوجد من يدعو الى اختيار مرشح بديل للانتخابات الرئاسية عام 2024. وكانت «النيويورك تايمز» قد توقعت أن «يستولي» الصقور على تلة الكابيتول.
نفتالي بينيت الذي تقف حكومته على ساق واحدة، أكانت الساق الخشبية أم كانت الساق الزجاجية، يحتاج الى تلك الكمية من الضجيج العسكري، علّ وقع الأقدام الثقيلة يحول دون تداعي ذلك الائتلاف الكاريكاتوري. «هآرتس» رأت في رئيس الحكومة رجل ردة الفعل لا رجل الفعل، والى حد الاستنتاج بأنه السياسي الأكثر تماهياً مع التكشيرة الأميركية.
لا مبرر لقرع الطبول. الايرانيون، وان كانوا يتوجسون من التصعيد الأخير، يسخرون من «قرع الطناجر». يرون «أن الأميركيين يدركون أن الأمور قد تفلت من أيديهم اذا ما انفجرت بيننا وبين «اسرائيل». لن تبقى خوذة (أميركية) في المنطقة بمنأى عن صواريخنا». جيفري غولدبرغ حذّر من أن يكون الشرق الأوسط هيروشيما القرن الحادي والعشرين.
الأميركيون لا يستبعدون أن تنطلق الشرارة الأولى من لبنان. زيارة آموس هوكشتاين لقصر الصنوبر لم تكن للتنسيق الديبلوماسي، أو للتنسيق الأوركسترالي، مع آن غريو حول اخراج لبنان من المراوحة الراهنة، وانما للاستيضاح منها حول «أجواء حزب الله».
سؤاله عن مدى جدية تهديد السيد حسن نصرالله بتفجير السفينة التي يفترض أن تستخرج الغاز من حقل «كاريش»، ليس فقط اذا ما أكدت الدولة أن هذا الحقل يقع داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لها، بل وأيضاً قبل أن يفتح الباب الأميركي (والباب «الاسرائيلي») أمام لبنان واطلاق عمليات التنقيب.
من هنا، كان تشديد الترويكا (الرئاسات الثلاث) على «الوسيط الأميركي» الضغط على «اسرائيل» لتجميد أعمال الاستخراج ريثما يتم الاتفاق على الخط الفاصل بين البلوكات اللبنانية والبلوكات «الاسرائيلية».
ولكن ماذا حين يتقاطع الموقف التصعيدي لأنتوني بلينكن مع الموقف التصعيدي لبني غانتس حول ايران؟ وزير الدفاع «الاسرائيلي» دعا الى تشكيل «تحالف عسكري اقليمي بقيادة الولايات المتحدة لمواجهة ايران» (وعشية زيارة جو بايدن للرياض ولقائه قادة دول مجلس التعاون) .
وكان بينيت قد صرح بأن حكومته أحدثت تغييراً في سياستها بحيث تستهدف «رأس الأخطبوط» لا «اذرع الأخطبوط». حتى اللحظة لا تعليق من أي من دول المجلس الست. لكن الاتجاه العام لدى غالبية هذه الدول «عدم الانزلاق الى… جهنم»!
هذا الكلام الذي تناهى الينا من أكثر من مصدر ديبلوماسي، يتماهى مع الرأي الفرنسي، وحين قال ايمانويل ماكرون لدونالد ترامب «ليس من مصلحتكم ولا من مصلحتنا، أن يتحول الشرق الأوسط الى جهنم»…
لهذا كله لا نملك سوى أن ننتظر ما يعود به آموس هوكشتاين من «تل أبيب». كرة النار أم كرة الثلج؟!
المصدر : الديار