كتبت يمنى المقداد في “الديار”:
كما الاتصالات، تشكّل المواصلات عصب الحياة، واليوم هذا العصب مهدّد بالبتر هو الآخر.
من 1500 إلى 50 ألف ليرة، ارتفعت تعرفة «السرفيس» ضمن بيروت وضواحيها منذ انطلاقة الأزمة الإقتصادية في لبنان حتى اليوم.
تعرفة تفوق بأضعاف طاقة من يتقاضى مدخولا بالليرة اللبنانيّة، في المقابل تئن آلاف العائلات التي تعتاش من النقل المشترك في لبنان هي الأخرى.
بالتزامن، كشفت «الدولية للمعلومات» مؤخرا، أنّ كلفة الكيلومتر الواحد تبلغ 5046 ليرة لبنانية لسيارة متوسط استهلاكها 170 كلم/ 20 ليتر بنزين، وذلك وفقا لسعر صفيحة البنزين 666 ألف ليرة وارتفاع سعر صرف الدولار إلى 28,000 ليرة، على أنّ سعر الصفيحة يرتفع بشكل يوميّ.
ومنذ أيّام قليلة، رفع السائقون العموميون تعرفة «السرفيس» ضمن بيروت وضواحيها إلى 50 ألف ليرة، فهل هذا يعني أنّ هذه التعرفة ستصبح أمرا واقعا كما حصل مع التعرفات السابقة؟
طليس : أمر طبيعي أن يطلب السائق العمومي هذه التعرفة
رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البرّي بسام طليس أشار لـ «الديار» إلى أنّ السائقين يطلبون 50 ألف ليرة قياسا لأسعار المحروقات وقطع الغيار وغلاء المعيشة، معتبرا أنّه أمر طبيعي أن يطلب السائق العمومي هذه التعرفة بالتوازي مع طلب الإتحاد العمالي العام 150 ألف ليرة كبدل نقل يومي.
إزاء هذا الواقع، لماذا لا يتّم وضع تعرفة رسمية حفظا لحقوق السائق والمواطن معا؟ يجيب طليس بسؤال في المقابل: «أيّ تعرفة أو أيّ سعر يمكن للوزير أن يعتمد؟ فهو لا يستطيع ذلك على طريقة جدول تركيب الأسعار الخاص بالمحروقات المتغيّر على الدوام؟ يعني وزير الأشغال بيقدر يعمل كل يوم تعرفة؟»، واصفا كلام الوزير بهذا الشأن بالمنطقي، وموضحا أنّ التعرفة تصدر بناء على دراسة مكونة من 17 عنصرا تغيّرت أسعارها ر وضربت بـ 10 و 20 و100 ضعف، باستثناء رسوم الميكانيك (لعدم صدور قانون الموازنة بعد) .
مما لا شكّ فيه أنّ رفع التعرفة يمكن أن يقلّص من عدّد الركاب، فرواتب أو مدخول الشريحة الفقيرة من اللبنانيين بالليرة اللبنانية. لا ينفي طليس ذلك، مؤكّدا أنّ المتأذي هو السائق العمومي والمواطن على السواء، فمن يستقل سيارات الأجرة هي فئات تشبه السائق في وضعها المعيشي والإجتماعي، كالعامل والطالب وأستاذ المدرسة والموظف والعسكري.
يُذكر، ان طليس أعلن في مؤتمر صحافي بعد اجتماع استثنائي في مقرّ الإتحاد العمالي العام، الخميس 23 حزيران يوم إضراب قطاع النقل البري من أجل تنفيذ الاتفاق وقمع المخالفات من سيارات مزورة – خصوصية، وتطبيقات وهمية وما سمّاه ببدعة «توك توك».
ولماذا لم يتم تنفيذ إتفاق دعم السائقين العموميين حتى الآن؟ يجيب طليس، لطالما ربط السائقون العموميون تحديد التعرفة العادلة بسلّة مطالب ترجمت سابقا عبر إتفاق مع الحكومة بدعمهم بمعونة شهرية وبنزين وغيرهما، إلّا أنّ الإتفاق لا يزال حبرا على ورق. وعن أسباب ذلك، يرى طليس أنّ هذا السؤال يوجّه إلى رئيس الحكومة الذي التزم بالإتفاق وأعلنه في 26 -10-2021، كاشفا عن إتصالات جارية حاليا بحيث يمكن أن يكون هناك اجتماع مع رئيس الحكومة قبل 23 حزيران لنرى ماذا يمكن أن يحصل، موضحا أنّه حين أنجز
الإتحاد الإتفاق مع الحكومة كان يعي جيدا مسار الأمور معتبرا أنّه لو التزمت الحكومة بالإتفاق لكانت بقيت التعرفة منخفضة، ولم يكن هناك ضرورة لزيادة بدل النقل للموظفين من 24 ألف إلى 64 ألف ليرة وربّما 100 أو 150 ألف ليرة، وبدل دفع هذه الأموال للموظفين كانت دفعت لقطاع النقل، وكان السائقون والمواطنون مرتاحين، وذلك بالتزامن مع تنفيذ الخطة التي اتفقنا عليها مع وزير الأشغال، أي موضوع باصات النقل المشترك الفرنسية واللبنانية بالتكامل ما بين القطاعين العام والخاص، « لكن للأسف هذه حكومتنا وهذا رئيس حكومتناّ!».
وختم:»نحن مطالبنا واضحة، هناك إتفاق مبرم مع رئيس الحكومة اللبنالنية في حضور الوزراء الثلاثة: داخلية ومالية وأشغال، وكذلك رئيس الإتحاد العمالي العام، والحلّ الوحيد هو بتنفيذ الإتفاق، وإذا كان لديهم رأي أو طرح آخر فنحن جاهزون ولا مشكلة لدينا، لأنّ همنا الناس كما السائقين، والحل أولا وأخيرا بيد الحكومة ورئيس الحكومة بموضوع الإتفاق».
سرور: الغلاء بأسعار
المواصلات ضرب المجتمع
حتى يحين موعد تنفيذ الإتفاق أو إيجاد بديل عنه يرضي السائقين والمواطنين والدولة، سيدفع المواطن الثمن الذي سيكون منهكا له، لا سيّما لمن لا مدخول ثابت له أوالموظف في القطاع العام ومثله الخاص الذي يقبض بالليرة، ففي بيروت تبلغ التعرفة 50 ألف ليرة وخارجها تتدحرج الأرقام ككرة ثلج مرعبة تصل إلى 130 و150 ألف ذهابا فقط كتعرفة «الفانات»، فكيف بالسيارات!
حول الضرر الاقتصادي لارتفاع كلفة المواصلات على القطاعين العام والخاص، يتحدّث لـ «الديار» الباحث السياسي والإقتصادي الدكتور نبيل سرور، فيقول: انّ الغلاء الكبير بأسعار المواصلات والتنقل يمثّل تحديّا كبيرا، يضاف إلى سلسلة الأزمات التي تضرب المجتمع اللبناني في الصميم، بحيث يشمل موضوع الإنتقال كل أبناء وفئات الوطن بما في ذلك الطلاب، الموظفين، العمال المياومين، وكلّ أفراد المجتمع الذين ينتقلون يوميا، كما انعكست الكلفة المرتفعة على كل القطاعات بحيث أصبح الموظفون والعمال يقنّنون من الإنتقال من مكان إلى آخر بسبب الغلاء الكبير الذي طرأ على سعر صفيحة البنزين والمحروقات بشكل عام، ما أدى تاليا إلى امتناع الكثير من الناس عن الخروج إلى وظائفهم، كما تراجعت الكثير من المسائل الإجتماعية التي كانت موجودة في الوسط اللبناني الى حد كبير.
ووفق سرور، خلق ارتفاع أسعار المواصلات معاناة حقيقية أمام سير كل المرافق كالجامعات والثانويات والمدارس ومؤسسات الدولة، وتحديدا الإدارات العامة، بحيث ساهم في غياب الموظفين بشكل كبير، وضعف الإنتاجية وعقبات وتعقيدات إدارية وتراكم المعاملات، وارتفاع منسوب الفساد الإداري وضعف في الرقابة المالية والإدارية ورقابة التفتيش، وعلى مستوى حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد والتجارة أدّى ذلك إلى ضعف في الرقابة على الأسواق نظرا لصعوبة أو تعذّر انتقال المراقبين من منطقة الى أخرى أو من وإلى مراكز عملهم.
هل يمكن الحديث عن حلّ في ظلّ التخبّط المحلي والعالمي؟ يؤكّد سرور على استحالة تحديد تعرفة رسمية من قبل الدولة كون المحروقات في ارتفاع مستمر عالميا، ومثله البنزين محليا نظرا لارتفاع سعر صرف الدولار، ويرى البدائل والحلول من خلال استجلاب المزيد من باصات النقل المشترك التابع للدولة اللبنانية، مشيرا في السياق الى مبادرة الوزير النقل والأشغال الدكتور علي حمية ووصول دفعة من الباصات الفرنسية إلى لبنان، ومعتبرا أنّ تفعيل باصات النقل المشترك مسألة مهمة جدا للتخفيف عن الناس بموضوع الإنتقال، وحثّ القطاع الخاص على العمل على مساعدة الناس من خلال مبادرات لشركات نقل خاصة بتسيير باصات على الخطوط اللبنانية بتعرفة مقبولة، ومثلها الفانات الخاصة، مقترحا السماح باستيراد سيارات يكون استهلاكها للبنيزن قليل.
95 باصاً بتعرفة مخفّضة جداً
مصادر في وزارة الأشغال أشارت لـ» الديار» إلى أن 95 باصا سيوزّعون بين بيروت والمناطق، بحيث توزّع الباصات الفرنسية في بيروت الإدارية وضواحيها بسعة 93 راكبا موزعين بين 50 وقوفا ونحو 30 إلى 40 جلوسا، بطول 12 مترا للباص الواحد، فيما ستوزع باصات الدولة البالغ عددها 45 باصا على المناطق الأخرى.
وأكّدت المصادر أنّ الوزارة تعمل بوتيرة سريعة جدا على إعداد دفتر شروط لمناقصة لشركات لتشغيل الباصات، فضلا عن تحديد خطوط السير لتأمين التوازن بين المناطق، كاشفة أنّ الكلفة ستكون ذهابا وإيابا أقل من بدل النقل البالغ 64000 ليرة .
خلاصة القول… في ظلّ استحالة تحديد تعرفة رسميّة للنقل حاليا، ستبقى التعرفة «عرفا» يتّفق عليه السائقون العموميون تبعا لسعر الدولار والمحروقات، شأنها شأن التعرفة في كلّ القطاعات، في وقت سيضطر فيه المواطن إمّا للتنقل سيرا على الأقدام مع ما يحمله ذلك من مخاطر أحيانا كالتعرّض لحوادث مرورية ونشل وربّما قتل، أو التقليص من أيّام عمله الحضورية أو بدائل أخرى، وللأسف في كلّ الحالات وحده المواطن من يدفع الثمن، والله يعين!