أبرمت بيروت والقاهرة ودمشق اتفاقية تتضمن عقد شراء لبنان للغاز الطبيعي من مصر، وعقد نقل وتبادل الغاز الطبيعي الوارد من مصر عبر الأردن وسوريا وصولا إلى شمال لبنان، يبلغ حجمها نحو 650 متر مكعب سنوياً.
الاتفاقية، التي جرى توقيعها، الثلاثاء، في وزارة الطاقة اللبنانية في بيروت، بحضور مسؤولين مصريين وسوريين، ستؤمن نحو 450 ميغاوات من التغذية الكهربائية، أي ما يعادل قرابة أربع ساعات إضافية من الكهرباء يومياً، ينتجها معمل دير عمار، الوحيد المؤهل حالياً في البلاد للعمل على الغاز.
ولا ينتج لبنان حالياً سوى ما يوازي ساعتي تغذية كهربائية من أصل 24 ساعة، وهو عجز كارثي نتيجة عقود طويلة من الإهمال والفساد وسوء الإدارة لملف الطاقة وإنتاج الكهرباء في البلاد، ازداد حدّة بعد الأزمة الاقتصادية والانهيار المالي الكبير الذي وقع عام 2019، حيث باتت الحكومات اللبنانية عاجزة حتى عن تأمين كلفة الوقود اللازم لتوليد الكهرباء.
وتعتمد البلاد حالياً على ما تؤمنه مولدات الكهرباء الخاصة من طاقة للسكان والمؤسسات، بتكلفة باهظة دفعت كثيراً من اللبنانيين إلى التخلي عن الكهرباء في المنازل لعدم قدرتهم على دفع تكاليفها، وانعكست ارتفاعاً كبيراً في التكلفة على القطاعات الإنتاجية، ما ارتد سلباً على الأسواق.
ولا تزال الكهرباء تشكل التحدي الأكبر أمام نهوض لبنان الاقتصادي، وشرطاً إصلاحياً رئيسياً للمجتمع الدولي وصندوق النقد من أجل مساعدته مالياً، خاصة وأن قطاع الكهرباء المتعثر في لبنان شكّل استنزافا أساسيا لمالية الدولة، بعدما كلف أكثر من 40 مليار دولار منذ عام 1992، دون أن تنجح الحكومات المتعاقبة في تأمين التيار الكهربائي على مدار الساعة.
وأشار وزير الطاقة اللبناني، وليد فياض، في مؤتمر صحفي عقب توقيع الاتفاق إلى أن “أهمية هذا العقد، على المستوى الوطني، تنطلق من كونه سيؤمّن، عند تنفيذه، تغذية كهربائية تصل إلى أربع ساعات إضافية بأفضل تكلفة، ولبنان بأمس الحاجة إليها”.
وبحسب السفير المصري لدى لبنان، ياسر علوي، فإن السعر المتفق عليه لتوريد الغاز المصري إلى لبنان “أقلّ بنسبة تزيد عن 30 في المئة من سعر السوق العالمية، وهو لدعم لبنان ليخرج من أزمته الصعبة”.
فياض شكر الجانب المصري على تبنيه للمشروع الهادف لمساعدة الشعب اللبناني، ولفت إلى أنه بتوقيع الاتفاق “يكون لبنان ومصر والأردن وسوريا قد أنجزوا كافة الخطوات من أجل السير قدما لتأمين الكهرباء للشعب اللبناني”، آملاً من الولايات المتحدة “تقديم ضمانات نهائية” حول العقوبات المرتبطة بقانون “قيصر”، لتأمين تنفيذ المشروع القائم على نقل الغاز عبر الأراضي السورية.
نقص فادح في الطاقة
يأتي هذا الاتفاق في إطار جهود دولية، انطلقت بها الولايات المتحدة الأميركية، عبر سفيرتها لدى لبنان، دوروثي شيا، والتي كانت أول من كشف النقاب عن هذه الخطة صيف عام 2021، وذلك بهدف معالجة النقص الفادح في الطاقة الكهربائية، من خلال استجرار الغاز المصري لتوليد الكهرباء.
وفي الإطار ذاته، كان لبنان قد وقع في يناير الماضي، عقداً مع الأردن لاستجرار الطاقة الكهربائية منه عبر سوريا، بما يصل إلى نحو 250 ميغاواط، أي نحو ساعتي تغذية كهربائية يومياً، فيما يقتصر الإنتاج اللبناني للطاقة (ساعتين) على ما يصله من مادة الفيول من دولة العراق، في إطار اتفاق مشابه قدم فيه العراق للبنان مادة الغاز أويل بأسعار خاصة وتسهيلات في الدفع.
وتبلغ كلفة استجرار الكهرباء من الأردن قرابة مئتي مليون دولار سنويا، أما استيراد الغاز من مصر فيصل أيضا إلى نحو 250 مليوناً. ومع ذلك فإنها لا تلبي حاجة لبنان الكاملة من الطاقة الكهربائية.
ويأمل الجانب اللبناني عبر هذه الاتفاقات، تأمين نحو 10 ساعات تغذية كهربائية، من أصل 24، وفق ما يرى الخبير النفطي، الدكتور فادي جواد، الذي يشير إلى أن لبنان سوف يرتبط بـ “خط الغاز العربي”، الذي يصل طرابلس لبنان عبر حمص في سوريا.
ويرى جواد في حديثه لموقع “الحرة” أن استجرار الكهرباء من الخارج سوف يعوض الهبوط الحاد من 2000 ميغاواط سابقاً الى 450 ميغاواط حاليا وذلك بسبب نقص الفيول المطلوب لتشغيل المعامل، في وقت يحتاج لبنان فعليا لـ 3600 ميغاواط صيفا والى 2400 ميغاواط شتاء لتأمين الكهرباء 24 ساعة في اليوم.
عودة إلى “الغاز العربي”
وقد أنشئ “خط الغاز العربي” قبل نحو ٢٠ عاماً على مراحل متعددة، يمتد من العريش إلى طابا في مصر، ومن العقبة إلى رحاب في الأردن، ومن معبر جابر الحدودي مع سوريا إلى حمص، ثم منطقة دير عمار في شمال لبنان.
وتبلغ القدرة الاستيعابية لخط الأنابيب 7 مليارات متر مكعب من الغاز سنويا، على امتداد 1200 كلم، وكان يفترض بحسب الخطة القديمة للمشروع أن يتابع خط الأنابيب مساره عبر سوريا إلى تركيا، ومنها إلى القارة الأوروبية.
وكان سبق لمصر أن ضخت الغاز في هذا الخط عام 2008 وبدأت بتصدير الغاز إلى لبنان عبر الأردن في شهر ديسمبر 2009، لكن العملية توقفت عام 2011 بعدما عجز لبنان عن تسديد ثمن الغاز حينها، من ثم جاءت الحرب السورية والفوضى التي نتجت عنها لتطيح نهائياً بمسار الغاز.
سوريا ستقتطع من كمية الغاز الواصل إلى لبنان نحو 8 في المئة كرسم عبور لأراضيها، وفق ما يؤكد جواد، مضيفاً أن لبنان “لن يحصل على 10 ساعات تغذية يوميا، إلا بعد مسار سياسي يؤمن تقييم الإدارة الأميركية للاتفاقيتين، وتقديم تعهد لكل من مصر والأردن لاستثنائهما من قانون ‘قيصر'”، إضافة إلى موافقة البنك الدولي على التمويل، وبالتالي “يمكن أن تأخذ العملية عشرة أشهر أخرى أو بانتظار أي حدث يعجلها”.
تطمينات أميركية
وكانت الولايات المتحدة قد أصدرت قانون “قيصر” عام 2019، وذلك في سبيل حماية المدنيين في سوريا من ممارسات نظام بشار الأسد، وذلك عبر فرض عقوبات وتجميد أصول أي شخص يتعامل اقتصادياً مع النظام السوري، ويساهم في تمويله ودعمه.
وتخشى كل من مصر والأردن ولبنان، أن تلحق بهم أو بالشركات المشغلة لديهم، أي عقوبات في هذا الإطار لكون خط الغاز المصري والكهرباء الأردنية سيمر عبر سوريا، لذا تنتظر كافة الأطراف تطمينات أميركية لبدء العمل.
وفي أول تعليق على الاتفاق، رحبت الولايات المتحدة بالإعلان، وقالت متحدثة باسم الخارجية الأميركية، فضلت عدم الكشف عن اسمها: “نتطلع إلى مراجعة العقود النهائية وشروط التمويل من الأطراف للتأكد من أن هذه الاتفاقية تتماشى مع سياسة الولايات المتحدة وتعالج أي مخاوف محتملة تتعلق بالعقوبات”.
وردا على سؤال لـ “الحرة” حول إمكانية إصدار إعفاء من العقوبات لدفع هذا الاتفاق قدما، قالت المتحدثة: “لم ولن نرفع أو نتنازل عن العقوبات المفروضة على الأسد ونظامه حتى يتم إحراز تقدم حقيقي ودائم نحو حل سياسي، كما أننا نعارض إعادة الإعمار (في سوريا) في ظل الظروف الحالية. لقد كنا واضحين بهذا الشأن مع شركائنا”.
وسبق لواشنطن أن عبّرت في أكثر من مناسبة وعلى لسان مسؤوليها عن دعمها للاتفاق الذي ترعاه منذ البداية، وكان للمبعوث الأميركي الخاص للطاقة الدولية، آموس هوكستين، موقف واضح في هذا الشأن عبر عنه في مقابلة خاصة مع قناة “الحرة” خلال زيارته إلى لبنان كوسيط في المفاوضات الجارية بين بيروت وتل أبيب حول ترسيم الحدود البحرية.
وفي معرض رده على التقارير التي تزعم بأن “الولايات المتحدة تفرض قيود حول خطة استيراد الغاز والكهرباء من مصر والأردن إلى لبنان”، أكد هوكستين أن الولايات المتحدة “لم تعرقل ذلك، أبدًا، بل تريد أن ترى إمدادات النفط تصل إلى لبنان، وأعتقد أن خط الأنابيب من مصر عبر الأردن وسوريا إلى لبنان هو فكرة جيدة جدًا والولايات المتحدة تدعم ذلك طالما لا يتعارض ولا ينتهك قانون قيصر. وأعتقد أن هذا ممكن”.
وكشف الوسيط الأميركي عن إجرائه “اتصالات لا تعد ولا تحصى” مع ثلاثة من الأطراف الأربعة، مصر، الأردن، ولبنان وتكلم مع الوزير فياض عبر الهاتف، وقال: “سفارتنا هنا تتواصل معه كما أتكلم بشكل دوري مع المصريين والأردنيين وأنا أعتقد أنه لو تمكنت الأطراف من التوصل إلى اتفاق وتوقيع العقود وإبرام اتفاق نهائي، أعتقد أنّه يمكننا الاطلاع عليه والموافقة عليه في نهاية المطاف”.
ولفت هوكستين إلى أنه كان قد قدم مداخلة أمام مجلس الشيوخ الأميركي قبل نحو أسبوع من زيارته، تشير إلى إعطاء موافقة مبدئية على هذا المشروع، “ما إن توافق مصر ولبنان على الشروط، نستطيع عندئذ تقييم المشروع، وعلى افتراض أنه لا يتعارض مع ما نؤمن به، أعتقد أننا ربما نكون في موقع نرى فيه أنّه لا ينتهك قانون قيصر ونستطيع أن نبدأ بإمدادات الغاز”.
ماذا عن الإصلاحات؟
وبينما يرى جواد أن ملف الكهرباء في لبنان سيبقى خاضعاً للتجاذبات السياسة المحلية والدولية وخلافاتها، “وفي النتيجة سيمر العام 2022 على لبنان بدون كهرباء لمدة 22 ساعة يومياً”، يبدو أن جانباً أساسياً من عوامل نجاح الاتفاق لا يزال مغيباً عن واجهة الطرح، وهو ما يتعلق بالإصلاحات التي اشترطها البنك الدولي في قطاع الطاقة اللبناني، قبل الموافقة على تقديم القرض للبنان.
وفي هذا السياق، يرى الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي والمتابع للملف، خضر حسان، أن السلطات اللبنانية تتخذ خطوات كبيرة إلى الأمام، في الوقت الذي لم ترتب بعد بيتها الداخلي، حيث لم يقم لبنان حتى الساعة بتنفيذ المهام الملقاة على عاتقه، لناحية الإصلاحات المطلوبة في قطاع الطاقة.
يتوقف حسان عند تصريحات فياض بعد التوقيع، والتي ركزت على رمي الكرة في ملعب الولايات المتحدة والبنك الدولي، محيلاً الأمر على شقه السياسي. وبحسب تحليله “يحاول المسؤولون اللبنانيون، إحراج الأميركيين والبنك الدولي، على طريقة ‘أتممنا ما علينا وحان دوركم’ في حين أن الموقف السياسي لا ينفصل عن الشروط التقنية للتمويل”.
ويتابع “صحيح أن هناك جانباً سياسياً ملقى على عاتق الولايات المتحدة، وهو ما يتعلق بمحاذير قانون قيصر، ولكن هذا يمثل سياسة عامة للولايات المتحدة ولا يتعلق حصراً بالوضع اللبناني، والقرار في هذا السياق يعود إلى الكونغرس الأميركي وليس إلى هوكستين، لكن الجزء الأبرز والأهم بالنسبة إلى لبنان هو إنجاز الإصلاحات المطلوبة، وذلك لإنهاء الشق المتعلق بشروط البنك الدولي للتمويل، حينها يحق لوزير الطاقة وغيره أن يرمي الكرة في ملاعب الخارج ويضع الملف في السياق السياسي الدولي”.
ويعدد الصحفي اللبناني الملفات الإصلاحية التي لم يجر بحثها بعد، وأبرزها: تعيين الهيئة الناظمة للكهرباء، “وهو ما لم يحصل بعد”، وكذلك تعيين مجلس إدارة جديدة لمؤسسة كهرباء لبنان، كذلك لم يجرِ تخفيض الهدر غير الفنّي في شبكة الكهرباء، ولا تحسين الجباية، في حين أن وزير الطاقة بدوره أيضاً لم ينه إعداد مناقصة إنشاء معملين لانتاج الطاقة “لأسباب سياسية داخلية تتعلق بإصرار فريق التيار الوطني الحر على ضم معمل سلعاتا إلى المشروع”.
ويضيف حسان “لم تسلك مؤسسة الكهرباء بعد مساراً مالياً شفافاً وواضحاً، عبر إجراء تدقيق مالي في المؤسسة، كذلك لم تبدأ بالإعلان عن حجم جبايتها الشهرية، التي تقوم بها شركات مقدمي خدمات، ولا تصل مباشرةً إلى حساب مؤسسة الكهرباء، إضافة إلى عدم وجود إمكانية لرفع التعرفة على المواطنين قبل تأمين الكهرباء، ولا تم رفع التعديات عن الشبكة، ليبقى التحدي الأبرز في تأمين الدولارات اللازمة لتحويل أموال الجباية بالعملة اللبنانية، ودفع مستحقات الخارج”.
ويرى أن هذا النوع من التصريحات “التي تستبق الأمور وتهرب إلى الأمام بدلا من العودة إلى الوراء وإصلاح المطلوب، ما هي إلا محاولات شعبوية لتبييض صورة المسؤولين اللبنانيين، والتغطية على فشلهم، وتحديداً منذ بدء الانهيار عام 2019”.
وقال إن المسؤولين في لبنان يصرون “على إلقاء اللوم على الخارج، في حين أن المشاكل التقنية المطلوب من لبنان إصلاحها لا تزال قائمة، وقبل ذلك لا يحق للمسؤولين اللبنانيين الحديث عن عوائق سياسية وخارجية”.
الإصلاحات “غير ضرورية حالياً”
موقع “الحرة” تواصل مع المديرة العامة للنفط ومنشآته في لبنان، أورور فغالي، التي شاركت ووقعت على الاتفاق الأخير مع مصر وسوريا، لسؤالها عن المدة الزمنية التي تفصل المواطن اللبناني عن الاستفادة من هذا الاتفاق، فما كان منها إلا أن أعادت التذكير بتصريح الوزير “الواضح جداً بكون الاتفاق ينتظر موافقة أميركية لانطلاقه، من ناحيتنا في لبنان أتممنا كافة العقود والأمور المتوجبة علينا، وسبق أن أنهينا توقيع اتفاقية نقل الكهرباء قبل أشهر، لكنها حتى الآن لم تسلك طريق التنفيذ، بانتظار إشارة أميركية، لم تصل بعد”.
لكن ولدى سؤالها عما إذا كان لبنان أتم بالفعل كافة واجباته في هذا الملف، لاسيما الإصلاحات التي يطلبها البنك الدولي، للحصول في النهاية على القرض، تراجعت فغالي عن تأكيداتها مبدية عدم الاختصاص بالحديث عن هذا الملف.
وأضافت “لا أعرف تفاصيل هذه الأمور وما إذا كانت انتهت الإصلاحات المطلوبة، ولكنني سمعت خطاب الوزير كما سمعه الجميع، وقال فيه إنه قدم للبنك الدولي كل ما طلبه، وهو رأس الهرم الوظيفي بالنسبة لي، وعلى هذا الأساس نقلت كلامه حول انتظار الموافقة الأميركية”.
ورأت فغالي أن الملفات الإصلاحية المطلوبة من لبنان، “ما إلها طعمة، الأساس يبدأ من توفير المال لإصلاح البيت الداخلي، ورفع التعرفة أساس في هذا المنحى، لكن الحكومات المتعاقبة منذ العام 1994، حافظت على تسعيرة منخفضة للكهرباء من أجل إفلاس كهرباء لبنان، لتسيير عمل المولدات الخاصة الخاضعة لمحاصصات ومحسوبيات سياسية”.
وختمت فغالي بإحالة موقع “الحرة” على وزير الطاقة لتقديم أجوبة حول إتمام الإصلاحات من عدمه.
وقد طلب موقع “الحرة” رداً من وزير الطاقة على تلك التساؤلات، عبر مستشارته الاعلامية، ريتا شاهين، التي كان لها تعليق حسمت فيه أن لبنان “نفذ كل ما طلبه البنك الدولي”، ولدى سؤالها عن الإصلاحات المطلوبة والتي لم تنفذ بعد، اعتبرت شاهين أن تلك الإصلاحات “ليست مطلوبة في هذه المرحلة”.
“الجدوى السياسية”
شاهين شددت على أن المراسلات الأخيرة مع البنك الدولي تقول إنه “يدرس الجدوى السياسية للقرض، وهذا يعني بوضوح أن هناك بعداً سياسياً للأمر، وبالتالي إن كانت هناك موافقة سياسية يمنحونا القرض والعكس، بانتظار تسويات سياسية في المنطقة”.
وختمت بأنها ستنقل الأسئلة إلى الوزير ليقرر ما إذا كان سيقدم رداً، في حين لم يصل أي رد حتى تاريخ إعداد هذا التقرير.
وقد حاولت السلطات اللبنانية، بأحزابها السياسية الحاكمة، وفق حسان، تمرير موضوع تمويل البنك الدولي للمشروع قبيل موعد إجراء الانتخابات النيابية في 15 مايو الماضي، للاستثمار بـ “الإنجاز” انتخابياً، لكن ذلك ما لم يحصل.
استمهل حينها البنك الدولي في قبوله تمويل المشروع، بهدف دراسة “الجدوى السياسية” منه، وذلك بحسب ما أكد وزير الطاقة اللبناني في وقت سابق، مضيفاً أن “هناك تأخيراً في التمويل والموضوع لم يرفض كما يقال”، لافتاً إلى أنّه لا يعرف “ما معنى الجدوى السياسية التي يتحدثون عنها والتي هي حجة لهذا التأخير”.
ويرى حسان أنه من حق البنك الدولي أن يدرس الجدوى السياسية للمشروع، “لكونه لا يثق بالطبقة السياسية الحاكمة في لبنان ولا بطريقة إدارتها للأموال التي قد يحصل عليها لبنان، والاستخدام السياسي لها، والأمر نفسه بالنسبة إلى الجانبين المصري والأردني، فبحسب معلوماتي، المسؤولون المصريون والأردنيون غير مطمئنين ولا واثقين بالطريقة التي يدار بها المشروع من ناحية لبنان”.
لا موافقة نهائية
بدورها ترى الخبيرة اللبنانية في حوكمة النفط والغاز، لوري هايتايان، أن اتفاق الثلاثاء كان مطلباً خارجياً من الولايات المتحدة والبنك الدولي من أجل دراسة العقود والتأكد من عدم خرقها لقانون “قيصر”، وبالتالي لبنان بلغ هذه المرحلة واقعياً، وهذا لا يعني موافقة نهائية على أي شيء، وإنما إحدى الخطوات المطلوبة من اللبنانيين لتبقى النقطة الثانية المطلوبة من لبنان وهي إجراء الإصلاحات المطلوبة من البنك الدولي لتقديم القرض.
هايتايان تؤكد أن توقيع العقود، لا يعني الحصول على القرض، فالبنك الدولي يريد ضمانات تثبت قدرة لبنان على تسديد القرض، “ولا يكفي رفع التعرفة في هذا السياق، كما أعلن الوزير، لا سيما في ظل عجز اللبنانيين مالياً عن تحمل هذه الكلفة بعد كل ما يعانونه اقتصادياً، وبالتالي لا يجوز أن يكون الضغط كله على هذه الشريحة، دون تركيز للجهود على عملية التحصيل ووقف الهدر وإزالة التعديات، وإجراء تدقيق مالي في مؤسسة الكهرباء، وإصلاح في إدارتها، وتعيين هيئة ناظمة للقطاع”.
هايتايان تلفت إلى أن البنك الدولي قد يخفف من شروطه في سبيل مراعاة الوضع الكارثي الذي يعيشه اللبنانيون دون كهرباء، “ولكن ذلك برأيي سيكون غلطة كبيرة، واستمرار للمسار القديم الذي لطالما استفادت منه السلطة في لبنان، فاستراتيجية الحكومات اللبنانية تقوم على عدم اتخاذ أي خطوات أو قرارات، بانتظار بلوغ الأزمات مستويات دراماتيكية من الانهيار، ليتدخل المجتمع الدولي على أساسها لإنقاذ الوضع”.
تضيف الخبيرة النفطية “هناك كثير من التحديات والعقبات التي تقف في طريق إتمام المشروع واستفادة اللبنانيين من الكهرباء، ولكن الوزير دائما ما ينتهج أسلوب الدعاية والحديث في العموميات، ومنذ العام الماضي يعد اللبنانيين بوصول الكهرباء والغاز، ولم يصل شيء، بسبب كل المشاكل الموجودة والتي كنا ولا زلنا نحذر منها، في حين أن الوزير لم يبذل الجهد المطلوب في إصلاحها”.
ويبقى عنصر مهم لنجاح هذا المشروع، وهو ما يتعلق بالإجراءات وطريقة الإدارة المالية للمشروع، من أجل ضمان استمراريته، بحسب الخبيرة النفطية، ففيما يبلغ مدى العقد المبرم بين لبنان ومصر 10 سنوات، لم يتضح بعد كيف سيتابع المشروع بعد تأمين قرض البنك الدولي، فهل سيكون معتمداً على تجديد هذا القرض بشكل دوري، أم أن هناك خطة لإعادة النهوض بمؤسسة كهرباء لبنان لتتابع هي تمويل الاستجرار، “من الضروري توضيح هذه النقاط لا سيما أن للبنان سابقة مع مصر بعدما عجز عن تسديد مستحقاتها مقابل الغاز عام 2011 ما أدى إلى توقف الاستجرار”.
ويأتي هذا الاتفاق في وقت يزداد الطلب العالمي على الغاز بعد الغزو الروسي لأوكرانيا ومقاطعة أوروبا للغاز الروسي، وعليه ترى هايتايان أن مصر أو غيرها “لن يراعوا كثيراً ظروف لبنان بينما تتوجه أنظارهم نحو السوق الأوروبية”.
وتؤكد هايتايان أنه “لا جدية في تعاطي الجانب اللبناني مع الملف، هناك تهرب، وهناك اعتماد لسياسة الترقيع في الحلول، عبر استجرار ساعة كهرباء من هنا وساعة من هناك، في حين لا إصلاحات جوهرية وجدية في القطاع ككل”.
واختتمت بقولها: “وبينما يحتاج لبنان لكهرباء 24 ساعة وتنويع مصادر الطاقة بأقل تكلفة ممكنة لضمان نهوضه الاقتصادي وتفعيل إنتاجه، يزيد اليوم على نفسه ديناً بقيمة 300 مليون دولار، مقابل 4 أو 6 ساعات من التغذية، ماذا عن الساعات المتبقية؟ ولكن للأسف، اليوم ليس أمام لبنان أي حل آخر، كما كان مشروع استقدام بواخر إنتاج الطاقة في السابق، كل هذه الحلول الترقيعية والمؤقتة تأتي بتكاليف عالية”.
المصدر : الحرة