كتب عباس صباغ في “النهار”:
بدأ مصرف الإسكان استقبال طلبات الراغبين في الحصول على قرض سكني يصل الى مليار ليرة مقسّطة على 30 سنة.
القرض بالليرة اللبنانية وفق شروط وضعها المصرف على موقعه الإلكتروني WWW.BANQUE-HABITAT.COM.LB. هل سيلبّي القرض الغرض المنشود من الإعلان عنه في ظل عدم ثبات سعر صرف الليرة وكذلك إحجام كثر عن تداول الشيك المصرفي.
قرض سكني بشروط جديدة أعلن عنه مصرف الإسكان بصفته شركة مغفلة لبنانية (ش.م.ل) مختلطة مع الدولة بموجب القانون النافذ، ووفق تلك الصفة من المفترض أن لا يهدف المصرف الى تحقيق أرباح وازنة من خطوته في مرحلة صعبة وشديدة التعقيد يعيشها لبنان وليس في الأفق ما يشي بتحسّن الأوضاع ما دامت أسباب الأزمة على حالها، وكذلك المكلفون إنقاذ البلاد.
تصل قيمة القرض السكني الى مليار ليرة لبنانية أي ما يساوي بتاريخ كتابة هذه السطور نحو 35000 دولار أميركي وفق سعر الصرف في السوق السوداء ونحو 40000 دولار وفق منصّة صيرفة (مع عدم ضمان استمراريتها أو ثبات سعر الصرف لديها).
وعندما زفّ مصرف الإسكان البشرى للبنانيين في ظلّ عجز محدودي الدخل سواء في القطاعين العام أو الخاص عن تملك شقة ولو متواضعة بعد الانهيار المروّع في قدراتهم الشرائية، فإن ذلك كان بمثابة بارقة أمل، أو على الاقل كان يجب أن يكون كذلك.
فالمصرف حدّد مدة إيفاء القرض بـ30 سنة وبفائدة هي 5 في المئة، وحدّد رئيس مجلس إدارة المصرف – المدير العام أنطوان حبيب الشروط الواجب توفرها في طالب القرض، ومنها ما هو تقليدي كأن يكون لبنانياً لأكثر من عشر سنوات ولا حكم عليه، والأهم في الشروط أن يكون “من ذوي الدخل المحدود والمتوسّط، أي ألّا يقلّ مدخوله عن 6 ملايين ليرة ولا يتجاوز 20 مليوناً مع إثبات أن لديه مداخيل مستدامة على مدى ثلاث سنوات”. ويضيف لـ”النهار”: “لا علاقة لنا بتغيّر سعر الصرف. نحن نعطي القرض بعملتنا الوطنية ونستوفيه بالليرة”.
في الشرط الأخير، ربما هناك صعوبة في أن يضمن أيّ لبناني بقاءه في وظيفته لمدة ثلاث سنوات مع إقفال مئات المؤسسات بسبب عدم الجدوى من استمرارها في ظل الانهيار الممنهج للاقتصاد، وحتى من هو موظف قطاع عام فالأمر سيان لأن ذلك القطاع بات عبئاً على الدولة والمواطنين وما الإضراب المستمر للأسبوع الثاني في القطاع العام إلا أحد أوجه الانهيار.
أما أن يكون المدخول لطالب القرض هو 6 ملايين فالأمر ايضاً لا يتوفر عند الكثيرين من الموظفين العموميين وكذلك في حال العسكريين في السلك حيث لا يصل راتب العسكري الى 6 ملايين ليرة، وبالتالي فإن شريحة من محدودي الدخل ستخرج تلقائياً من دائرة المستفيدين، وهذا ما لا ينسجم مع الهدف الأساسي من القرض.
فالمؤهّل في الجيش اللبناني حسام (اسم مستعار) راتبه أقل بكثير من 6 ملايين، ولكنه كان يعادل قبل خريف عام 2019 نحو 1450 دولاراً، والآن لا يعادل أكثر من 77 دولاراً، ويلفت الى أنه يعمل خلال إجازته في محل حدادة للسيّارات وليلاً سائق أجرة، ما يرفع مدخوله الشهري الى أكثر من 6 ملايين، ولكن ليس في إمكانه إثبات ذلك للمصرف لسببين، أولاً لأنه عسكري ولا يُسمح له رسمياً بممارسة عمل آخر، وإن كانت المؤسسة العسكرية تتفهّم دوافع تلك المخالفة، والسبب الثاني يكمن في عدم ثبات المدخول الإضافي فضلاً عن عدم إمكانية توثيقه رسمياً بما يتلاءم مع شروط المصرف.
في المحصّلة لا يمكن لحسام أن يستفيد من القرض على الرغم من تجاوز مدخوله، غير الثابت، الـ6 ملايين ليرة وهو بحاجة ماسّة لشقة أو لبيته الزوجي المستقبلي بعد انتقاله من البقاع الى بيروت واستحالة تنقله دورياً من بلدته الى مكان خدمته بسبب غلاء البنزين وبدل التنقل، علماً بأنه يقيم مؤقتاً منذ سنتين مع أحد أقاربه في الضاحية الجنوبية لبيروت.
ينسحب وضع حسام على كثر من أقرانه في السلك العسكري، والأمر لا يختلف لدى موظفي القطاع العام، هذا من دون إغفال شرط مصرف الإسكان أن “لا تزيد الشقة عن 120 متراً، وأن تكون في البلدات والقرى والمناطق البعيدة لا في العاصمة والمدن، وذلك بحسب ما ينصّ عليه قانون المصرف، فضلاً عن ألا يمتلك المقترض منزلاً على جميع الأراضي اللبناني وألا يكون مستفيداً من أيّ قرض مدعوم”.
المعضلة الثانية التي قد تواجه المقترضين هي كيفية صرف الشيك في ظلّ إحجام مصارف عدة والصرّافين أيضاً عن قبول تلك الشيكات ومن باب أولى إن أصحاب العقارات يفضّلون القبض بالدولار الأميركي لا بالليرة بسبب عدم ثبات سعر الصرف، عدا عن أن الدولرة بدأت تأخذ أشكالاً قانونية لا فقط في المؤسسات السياحية بل لدى معظم أصحاب المصالح بدءاً من صالونات الحلاقة والملاحم وصولاً الى محالّ الألبسة مروراً ببعض المواد الأساسية ولاحقاً حكماً ستكون في قطاع المحروقات بعد أن “هضم” اللبنانيون مرارة تسعير المازوت بالدولار.
وبناءً على ذلك فإن الشيكات المصرفية ستكون عائقاً أمام الإفادة الكاملة من القرض بعد الإحجام عن قبولها، وإن ترافق ذلك مع انخفاض أسعار العقارات الى نحو 50 في المئة، إلا أن حركة السوق العقاري ليست على وتيرتها المعتادة منذ نحو 3 سنوات والسبب الرئيسي عدم قدرة محدودي الدخل على شراء عقار بالليرة اللبنانية، ما فتح الباب أمام المغتربين ومن يتقاضون رواتبهم بالعملة الصعبة.
وبحسب حبيب فإن المصرف سيشارك مع المقترض بالدفع لصاحب الشقة أو للشركة صاحبة المشروع.
وفي المحصلة، وعلى الرغم من خطوة مصرف الإسكان الذي تأسّس عام 1977 بهدف “وقف الهجرة من الريف الى المدن وكذلك الحدّ من الهجرة الى الخارج”، فإن القرض السكني الذي أطلقه دونه صعوبات ليست خافية على أحد، على أمل أن تكون الجدوى من القرض تساوي أو تفوق حملات الإعلان عنه.