يروي مسؤول تربوي رفيع، يحفظ عن ظهر قلب ملف التعليم في لبنان، الخاص منه والرسمي، والمدرسي والجامعي، انه في مطلع العام 2019، وقبل اندلاع الثورة وتفشي وباء كورونا والإنهيار المالي، استشعر خطراً حقيقياً على التعليم في لبنان، اعدَّ ملفه بالأرقام المفصَّلة، وحمله وجال به على المراجع المدنية والروحية، ودق امامهم ناقوس الخطر، بعضهم تفهّموا ولكن «ما باليد حيلة» وبعضهم عرفوا المشكلة ولديهم القدرة على المعالجة، لكنهم لم يبادروا.
المسؤول التربوي الرفيع المذكور يقول: اليوم حلت الكارثة، ما نبهت اليه قبل ثلاث سنوات، وصلنا إليه اليوم:
هناك مدارس خاصة ذاهبة الى الاقفال، وبعضها أقفل، ومنها مدارس أجنبية عريقة
هناك طلاب في مدارس خاصة لم يعد بمقدور اهلهم دفع الاقساط، ولا يجدون مقاعد لهم في المدارس الرسمية.
لم يعد هناك من امكانية لتعليمٍ قبل الظهر وتعليم بعد الظهر لأن هناك طلاباً سوريين بعد الظهر، وعليه هناك تفكير في ان ينقسم الاسبوع على مجموعتين:
مجموعة تدرس الأيام الثلاثة الاولى من الاسبوع، فيما تدرس المجموعة الثانية الأيام الثلاثة المتبقية.
ويكشف المسؤول التربوي بعضاً من المعطيات التي تشكِّل بحدِّ ذاتها رعباً حقيقياً وخشيةً في مكانها، ليس على السنة الدراسية الآتية، بل على واقع التعليم ككل، جامعياً ومدرسياً، فيقول: «كما كان هناك في ما مضى Nouveaux riches، نشهد اليوم طبقة «nouveaux pauvres».
إنهم الطبقة الوسطى التي اندثرت وأصبحت من الطبقة الفقيرة. هذه الطبقة لم يعد بإمكانها إبقاء اولادها في المدارس الخاصة، لأنه لم يعد بمقدورها تأمين الأقساط لهم، كما انها لن يكون بمقدورها نقل الأبناء إلى المدارس الرسمية بسبب عدم توافر المقاعد الكافية.
نتيجة هذا الوضع، سيكون هناك واقعٌ لم يشهده المجتمع اللبناني لا في الحربين العالميتين الاولى والثانية ولا في الحرب بين 1975 و1990، لم يدرس الطلاب ثلاثة ايام في الأسبوع، ولم تُقفِل لا مدارس رسمية ولا مدارس خاصة، بل توسعت وتعددت فروعها لتشمل معظم المناطق اللبنانية.
اليوم يكاد الهيكل التعليمي أن ينهار:
مدارس تُقفِل فروعاً لها.
مدارس خاصة مجانية تستعد لإقفال ابوابها.
هنا يُطرَح السؤال الكبير: على مَن تقع مسؤولية الإنقاذ؟
يقول مخضرم في الشؤون التربوية: صحيح ان هناك وزارة تربية، لكن الوزارة هي ناظمٌ للواقع التربوي، بمعنى ان المسؤولية تقع على السلطة التنفيذية ككل، فالقطاع التربوي يتطلب عناية أكثر من وزارة وأكثر من منظمة، فوزارة الشؤون معنية، ووزارة المال معنية، وهناك منظمات معنية لأن هناك طلاباً من اللاجئين الفلسطينيين ومن النازحين السوريين.
هذا التداخل يستدعي الدعوة إلى مؤتمر تربوي عام لا يخرج منه المعنيون إلا بخارطة طريق، ولئلا يبقى النقاش شفوياً، لا بد من «تقرير معطيات» يُعهَد إلى مدير عام وزارة التربية وضعه لأنه الأكثر اطِّلاعاً على الواقع التربوي، ويجب ان يخرج هذا المؤتمر بمقررات عملية قبل بدء السنة الدراسية 2022 – 2023، وما لم يحدث هذا الامر سنكون أمام واقع تربوي منهار وغير مسبوق في تاريخ لبنان المعاصر، خصوصاً ان الارقام تشي بان الوضع التربوي يشكل عبئاً من غير المقبول تجاهله، فهناك ما لا يقل عن 1619 مدرسة خاصة تضم 740 الف تلميذ يشكلون 70 في المئة من القطاع التربوي.
النسبة المتبقية هي لطلاب القطاع الرسمي وللطلاب الفلسطينيين الذين تعنى بهم الأونروا، كما هناك ما يزيد عن مئتي الف سوري تعنى بهم المنظمات الدولية عبر وزارة التربية.
هذه الارقام من شأنها أن تشكل قنابل موقوتة، إذا لم تتم معالجتها بالسرعة المطلوبة، فإنها ستنفجر تباعاً حتى قبل بدء السنة الدراسية، وربما بالتزامن مع بدئها