انها دولة يهوه. من نحن، في هذه الحال؟ الديدان في نظر «الحاخامات»، الأخطاء الغبية في نظر الجنرالات. ليو شتراوس رأى فينا ـ كعرب ـ الذئاب الضائعة في الصحارى وفي الأزمنة. مئير كاهانا، بتلك الكراهية العمياء، تساءل ما اذا كنا قد سقطنا سهوا من قدمي آدم!
ما يجري الآن على أرض فلسطين لم يصل الى عيون عشاق «اسرائيل» في لبنان وفي البلدان العربية. اياهم عشاق أميركا التي متى تعاملت معنا كبشر أسوياء ؟ هي التي تتولى ادارة دولنا مثلما تدار مستودعات الخردة. ألا يليق بنا مصطلح … الخردة البشرية؟
لنتصور، في لبنان تحديداً، كمسرح عشوائي للطوائف المجنونة، كيف يمكن أن تدار صراعاتنا، وكراهياتنا، وجاهلياتنا، لو مدينا أيدينا الى «تل أبيب»، وان كان الذين يمتطون ظهورنا أقرب ما يكونون الى «حاخامات» القرن. لكأننا ورثة «التلمود» لا ورثة الانجيل والقرآن.
لطالما قيل لنا أن «اسرائيل» هي نتاج الحضارات الكبرى، والديمقراطيات الكبرى في الغرب. ولكن متى لم يكن الغرب اياه، بأساطيله، وحتى بأساقفته، وبطبيعة الحال بايديولوجياته، مصنعاً للجماجم. بأظافرهم مزقوا لحوم بعضهم البعض قبل تقطيع لحوم وعظام الآخرين في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وغداً في المريخ!
ما يفعله اليهود في فلسطين فعله بهم أهل الغرب الذين ارتكبوا الفظاعات أينما حلوا. ليل هيروشيما في اليابان كان ليل الشامبانيا في أميركا. هكذا بعث دوغلاس ماك آرثر الى هاري ترومان «ولسوف نكون آلهة القرن يا سيدي الرئيس».
ما يحدث في غزة وفي جنين وفي نابلس، وما حدث عندنا في الجنوب، وفي الضاحية، الصورة التوراتية عن هيروشيما (ولولي أيتها الأبواب واصرخي أيتها المدينة).
متى يقتنع العرب الذين شرّعوا أبوابهم، وشرّعوا صدورهم، وشرّعوا أسواقهم، وشرّعوا ثرواتهم أمام حائط المبكى، أننا أمام اسبارطة الأخرى التي لن تتوارى بالديبلوماسية، ولا بالرايات البيضاء، وانما بالقوة؟
هكذا ـ على الأقل ـ احتواء تلك الظاهرة البربرية التي يهلل لها الغرب، غرب الماغناكارتا (الشرعة الكبرى) والدساتير التي رأى الكسي دوتوتكفيل في نصوصها دبيب الملائكة.
نحن اللبنانيون (لا نحن اللبنانيين) كان يفترض بنا أن نكون النموذج الفذ والمضاد، وحيث التنوع يعني التألق، وحيث التفاعل (والانفتاح) يعني الابداع (والاشعاع).
ترانا نحتاج الى دليل اضافي حول خطة «اسرائيل» (بشقيها الايديولوجي والاستراتيجي) لاقتلاع وترحيل، كل عرب القطاع، وكل عرب الضفة، لتستقيم دولة يهوه؟ لم يعد الأردن الدولة البديلة، كما اقترح ييغال آلون، لأنه اضطلع ويضطلع بدور الخنجر في خاصرة القضية، ولن تكون سيناء الأرض البديلة لأنها امتداد لأرض الميعاد.
الفلسطينيون الى لبنان (الخطأ التاريخي أو الفائض الجغرافي)، مع اضافة جزء من سوريا التي يلحظ السيناريو تقطيعها قطعة قطعة، لأن موت سوريا يعني موت ما تبقى من العروبة. اصغوا الى فيروز وهي تغني لدمشق رائعة سعيد عقل «يا واعداً وعدا»… ألا تهتز السماء؟
أجل، ما يتناهى الينا من أوساط ديبلوماسية خليجية وموثوقة، أن صانعي الخرائط (خرائط الشرق الأوسط الجديد)، يعدّون لبنان، وكما ترون على الأرض يوماً بعد يوم، ليكون الدولة البديلة، وتحت أنظار تلك المنظومة الرثة التي أبتلينا بها. لا خجل من المضي في صراع الحقائب، وصراع الصلاحيات، كما لو أننا لسنا على قاب قوسين من فراغ يأخذنا الى أقاصي الجحيم.
تبعاً للمعلومات اياها، من الدولة اللبنانية التي رسمت حدودها في قصر فرساي، الى الدولة الهجينة، بالصيغة التي تلغي لبنان، وتلغي اللبنانيين. بطبيعة الحال ترحيل المسيحيين ان تأكد أن الدويلة المسيحية غير قابلة للبقاء. أيضاً ترحيل طائفة أخرى، أو طوائف أخرى.
ما يحدث في لبنان (وحول لبنان)، وفي سوريا (وحول سوريا)، ليس غيمة سوداء وتمر، كما يتصور السذّج عندنا وعندهم. أبعد من ذلك بكثير. انه التقاطع ـ ايها السادة ـ بين لعبة الأمم ولعبة القبائل، والآن لعبة الطوائف…
لا تفكيك للسيناريو الا بالقوة. القوة الموجودة بيننا، والتي يراهن البعض على حصارها وبعثرتها. مرة واحدة لنلجأ الى عقولنا لا الى غرائزنا…
المصدر : الديار