تضجّ الساحة الداخلية بالملفات السياسية والاقتصادية، ولكن الاستحقاق الرئاسي يخطف الأنظار وهو الطاغي على ما عداه على الرغم من أن البلد مُثقل بالأزمات وفي ظل غياب المعالجات الحياتية والمعيشية، مما يُبقي أيضاً الساحة الداخلية عرضة للفوضى وثمة من يشير الى أن خريف الاستحقاقات المعيشية آت وقد ينفجر في الاستحقاق الرئاسي اذا استمرت الأمور على ما هي عليه على صعيد القطاعات التربوية والصحية والمحروقات، ما يعني ان كل الاحتمالات واردة وحصول الانتخابات في موعدها غير محسوم . وهذا ما ردده في مجالسه أحد النواب المخضرمين، متوقعاً الفراغ في حال لم تُنجز تسوية دولية معطوفة على توافق داخلي على مرشح رئاسي يحظى بإجماع كل القوى السياسية والحزبية اللبنانية، ويعتقد أن المسألة ذاهبة باتجاه الغرق في المواصفات، بينما تصفية الحسابات انطلقت من المقار الرئاسية والصروح الروحية، ويتوقع أن يرتفع منسوب المواقف في اطار حرب التصفيات السياسية والرئاسية.
توازياً، وأمام هذا الوقت الضائع محلياً واقليمياً ودولياً، ولا سيما التصعيد الإسرائيلي عبر الغارات التي استهدفت مواقع للحرس الثوري الإيراني و”حزب الله” في سوريا، وهذا ما توقعته “النهار” منذ أيام، يبقى لبنان الحلقة الأضعف باعتبار ساحته هشّة والانقسامات السياسية بين مكوناته حدّث ولا حرج الى ترهل دولته وما يجري حياتياً ومعيشياً من انهيارات بالجملة، وعلى هذه الخلفية فالهواجس والمخاوف قائمة، إضافة الى انطلاق مرحلة الاصطفافات والتموضع السياسي الذي عاد يشق طريقه بعد طلب الودّ من كليمنصو لعودة التقارب مع “حزب الله” والأمور ذاهبة بينهما باتجاهات إيجابية، وتخطت مرحلة تنظيم الخلاف الى تنظيم الملفات الأساسية وتحديداً الاستحقاق الرئاسي في ظل التساؤلات عن هذا التقارب المتجدد بين الطرفين، والى أين؟ هل هو لمقتضيات المرحلة وتمرير الاستحقاقات السياسية والانتخابات الرئاسية تحديداً؟ أم ثمة حقبة جديدة يصرّان على أنها انطلقت ولا رجوع عنها؟
على هذا الصعيد ثمة سؤال كبير، ماذا عن هذه الاصطفافات أو التموضع لهذا الطرف وذاك أمام ما يحيط بالمنطقة من تطورات وحروب ونزاعات، وخصوصاً في سياق عودة المملكة العربية السعودية الى لبنان بعد ازالة الفتور الذي اعترى علاقة البلدين من اعلان جدّة وقمتها التاريخية، ومن ثمّ ما صدر من بيانات ختامية إثر لقاءات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع زعماء عرب وغربيين؟ فهل ذلك سيؤثر على هذا الدور الفاعل للرياض؟ هنا تكشف مصادر سياسية عليمة ل “النهار”، أن الأيام القليلة القادمة ستشهد تفاعلاً للدور السعودي باتجاه لبنان وحركة لافتة أكان على صعيد “استكشاف” السفير وليد بخاري للأجواء اللبنانية “والرئاسية” دون استبعاد قيام بعض المرجعيات السياسية اللبنانية بزيارة المملكة، وبمعنى آخر تؤكد المصادر عينها انه وبمعزل عما يُشاع عن تقارب كويتي – ايراني وعودة التمثيل الدبلوماسي بين البلدين أو أن تقدماً سيحصل في المفاوضات النووية يبين واشنطن وطهران، فذلك لا شأن له أو تأثير على مسار الدور السعودي، فهناك توافق من سائر دول مجلس التعاون الخليجي حول كل ما يرتبط بالملف اللبناني ودعم توجهات المملكة له.
وتردف لافتة الى أن موقف الرياض من الاستحقاق الرئاسي بات محسوماً ضمن مسلّمات مؤداها، أولاً لا تدخُل في فرض هذا الاسم وذاك، أو أن لدى السعودية مرشح معين، بل وبصراحة متناهية، فإنها لا تقبل بأي رئيس لما يسمى فريق الممانعة لأنه سيكون صنيعة “حزب الله”، أي تكرار الخطأ المميت في الانتخابات السابقة حيث دفع لبنان أثماناً باهظة بما في ذلك ما وصلت اليه العلاقة بين لبنان والمملكة من فتور نتيجة تسلط “حزب الله” على كل مؤسسات ومرافق الدولة اللبنانية، مبدية استغرابها لعودة الحملات من قبل قيادات “حزب الله” على الرياض وبشكل سافر وغير مقبول أكان من هاشم صفي الدين أو سواه ما يطرح التساؤلات حول شروع لبنان في الإصلاح وبناء دولة فيما دويلة “حزب الله” هي الطاغية، وحيث لم يسجل أي موقف رسمي يُدين هذه الحملات تجاه دولة شقيقة تسعى لدعم البلد والوقوف الى جانبه في السرّاء والضرّاء.
وتخلص المصادر، الى ان حراكا عربيا وغربيا سيحصل تجاه لبنان بغية جسّ نبض المسؤولين اللبنانيين حول الاستحقاق الرئاسي، باعتبار أنه لا يمكن القيام بأية خطوة خلال هذه المرحلة قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتشكيل حكومة تأخذ الطابع الإصلاحي، ولكن ثمة مخاوف من أن تؤثر مجريات الأحداث في المنطقة على الداخل اللبناني، فقد يرتفع منسوب التصعيد الإسرائيلي على سوريا وتكثيف الغارات، وبمعنى أوضح فاللعبة أضحت مفتوحة في هذا الوقت الضائع أكان داخلياً حيث لا دولة ولا مؤسسات أو ما ستفضي اليه مسألة ترسيم الحدود مع إسرائيل، ناهيك الى ما يحصل في العراق وفلسطين والحرب الروسية – الأوكرانية، وعندها يُبنى على الشيء مقتضاه لبنانياً.
النهار