يملك الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان والعدو الإسرائيلي آموس هوكشتاين الردّ «الإسرائيلي» على عرض لبنان الأخير. حتى أنّ وزيرة الطاقة «الإسرائيلية» كارين الحرار (ذات الجذور المغربية) قد أكّدت هذا الأمر من خلال ما أعلنته أخيراً من «أنّنا قدّمنا عرضاً جديداً. وأعتقد أنّه اقتراح جيّد.. سيجعل لبنان منتجاً للغاز»، مشيرة الى أنّ «هذا الأمر سيستغرق سنوات على أي حال. لكن هذا هو الفرق بين البقاء في الوضع السيئ الحالي أو مستقبل أفضل». وذكّر كلامها هذا بما كان يردّده هوكشتاين كلّما زار لبنان، بأنّ عليه «عقد الصفقة» أي «توقيع الإتفاق»، لكي يتمكّن في السنوات المقبلة من بدء الإستفادة من ثروته النفطية بدلاً من تركها في البحر.
هذا في الوقت الذي تُفضّل فيه المقاومة أن تبقى هذه الثروة في أعماق البحار، حتى يُقرّر لبنان بنفسه متى وكيف يستفيد منها. ورغم ترك حزب الله قرار ترسيم الخط البحري الحدودي للمسؤولين اللبنانيين، على أن يتولّى هو الدفاع عن أي إعتداء أو محاولة استيلاء على نفط لبنان بطريقة ما من قبل العدو الإسرائيلي، فإنّ المسؤولين المعنيين يجدون بأنّ «الفرصة سانحة أمام لبنان لتوقيع إتفاقية مع العدو بوساطة أميركية لبدء الإستفادة من ثروته النفطية قريباً ولتحسين الواقع الإقتصادي والمالي والمعيشي السيىء الذي يعيشه في المرحلة الراهنة».
أوساط ديبلوماسية متابعة لملف ترسيم الحدود البحرية، أكّدت بأنّ الكرة لم تعد في الملعب «الإسرائيلي»، بل أصبحت في حوزة هوكشتاين، لأنّ هذا الأخير قد زار «تلّ أبيب» بعد زيارته الأخيرة للبنان في الأول من آب الجاري، وحصل على الردّ «الإسرائيلي» على العرض اللبناني، أو على «عرض جديد» مقابل الطرح اللبناني. وهذا يعني بأنّه أبلغ الوسيط ردّه وتمنّى عليه عدم الإسراع بنقله الى المسؤولين اللبنانيين، كونه أخَّر عملية استخراج النفط من حقل «كاريش»، وسيذهب للعمل في حقل آخر خارج الخط 29. فهل سيحمله هوكشتاين للبنان قبل نهاية آب الجاري؟!. ويبدو أنّه من المؤكّد أنّه لن يُسهِّل أو يُسرّع في مسألة أن يقوم لبنان باستخراج نفطه من حقل «قانا»، أو في توقيع إتفاقية حدود معه قبل شهرين من انتهاء العهد الحالي من جهة، وقبل إجراء الإنتخابات «الإسرائيلية» في الأول من تشرين الثاني من جهة ثانية، وذلك بحجّة أنّ «الإسرائيلي» يريد إجراء إستفتاء حول ملف الترسيم والحقول والخطوط قبل توقيع أي اتفاق مع لبنان.
وتساءلت الاوساط أين تكمن مصلحة «الإسرائيلي» والأميركي اليوم في عقد إتفاقية، في ظلّ تهديد حزب الله وكلام أمينه العام السيد حسن نصرالله أن «لا إستخراج للغاز والنفط من «كاريش»، ما لم يحصل الأمر نفسه في «قانا».. ولماذا سيُفكّر الأميركي بإعطاء هدية لعهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وهو على قاب قوسين من الإنتهاء، بعد أن قام بالمستحيل لتفشيله على جميع الصعد، رغم أنّه ليس عليه ربط هذا الملف بالسياسة الداخلية، لو كان يودّ فعلاً عقد الإتفاق؟! وشكّكت الاوساط بما يقوله «الإسرائيليون» الذين أوحوا بأنّ الأمور مسّهلة، وبأنّ الإتفاق سيوقّع في غضون أسبوعين، وقد مرّ أكثر من شهرين ولم يحصل أي تطوّر سوى شفهياً.
وأكّدت الأوساط نفسها بأنّ هذا يؤكّد أنّ العرض «الإسرائيلي» الجديد مشروط، لهذا لم ينقله هوكشتاين الى المسؤولين اللبنانيين حتى الآن. فـ «الإسرائيليون» لا يوافقون على شيء بسهولة، ومثلما يقول اللبنانيون إنّهم لا يتفاوضون مع عدو لا يؤتمن له، هم يقولون الشيء ذاته، بأنّ اللبنانيين لا يؤتمن لهم، ولهذا يُطالبون بضمانات من شأنها تعقيد التوصّل الى اتفاق سريع، الأمر الذي يخدم مصلحتهم في الوقت الراهن.
واستبعدت الاوساط بالتالي أَن تعمل إيران على تسهيل توقيع لبنان على اتفاقية الحدود، قبل أن تتوصّل الى عقد اتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية في فيينا حول الملف النووي، والذي تريده أن يدوم لا أن يتعرّض لنكسة مع كلّ رئيس أميركي جديد للبلاد. كما تجد أميركا أنّ من أبرز الأمور المنتظرة من إيران بعد توقيع الإتفاق النووي معها هو تغيير سلوكها في دول المنطقة، ولا سيما في لبنان وسوريا، في حين تفصل هي بين الاتفاق وسائر ملفات المنطقة.
وبرأي الأوساط عينها أنّه أيّاً يكن نوع الإتفاق الذي قد يتمّ التوقيع عليه بين لبنان والعدو الإسرائيلي، أكان إعلان أو بيان، أو غير ذلك، وأكان سيجري التوقيع على نسخة واحدة أو على نسختين مودعتين لدى الأمم المتحدة، كلّ منهما على حدة، فإن الشكليات ضرورية ومهمّة.. ولكنها في الوقت نفسه تفاصيل…فالإتفاق مع العدو، هو بالنهاية إتفاق مع العدو….وكلّ طرف يريد أن يقول لجمهوره إنّه باقٍ على سلاحه ومستنفر ولم يُساوم.
وأشارت الاوساط الى أنّ النفط هو مادة استراتيجية، وأنّ الدول في حالة الحرب لا تقوم بالمساومة على تقاسم النفط. لهذا فبإمكان لبنان أن يُفكّر جديّاً ببدء الإستخراج في الحقول الداخلية بعيداً عن الحدود الجنوبية، على غرار ما سيفعل «الإسرائيلي» شرط التفاوض على رفع الضغوطات عن الشركات الدولية، لا سيما عن «كونسورتيوم» الشركات الذي ترأسه «توتال» الفرنسية لكي يتمكّن لبنان بدوره ببدء الاستخراج من البلوك 4، على سبيل المثال. علماً بأنّ المفاوضات ستبقى وستستمرّ الى حين نضوج الإتفاق، في حال لم يتمّ خلال شهر أيلول المقبل، على ما زال يُعوّل البعض.
وترى الاوساط، في المقابل، بأنّ ثمّة مشكلة داخلية تكمن في أنّ وجود الثروة النفطية والغازية في لبنان، قد ساعدت على «تفريخ» عشرات مراكز الأبحاث والشركات المتخصصة للقيام بمتابعة ومواكبة كلّ ما يتعلق بالاستثمار، ومدّ الأنابيب، والحقول، والنقل، والاقتصاد، والصناعات التحويلية، والصناديق، إلخ… وطبعاً هذا شيء طبيعي ومتوقّع. ولكن بما أنّ لبنان دولة مفكّكة ومنقسمة على نفسها، فإنّ كلّ هذه الجهود ستضيع، وستغرق هذه المراكز في جزئيات تفاصيل التطاحن المذهبي والمؤسساتي والبنيوي، والتصارع على المال والسلطة، وسنصبح شبيهين بالوضع العراقي: شعب عظيم ذو قدرات هائلة، ولكنه معرّض للهيمنات والتدخّلات الخارجية، في الوقت الذي هو منقسم على نفسه عامودياً وجغرافياً.