أرقام مصرف لبنان تشير اليوم إلى أنّ عجز ميزان المدفوعات ارتفع ليلامس حدود 2.58 مليار دولار خلال النصف الأوّل من هذا العام، وهو ما يوازي نحو 5.16 مليار دولار إذ تم تقدير هذا العجز كمعدّل سنوي (أكثر من ربع الناتج المحلّي الإجمالي للبنان). وبالمقارنة مع السنوات السابقة، لم يتجاوز عجز ميزان المدفوعات حدود 1.81 مليار دولار في الفترة المماثلة من العام الماضي، ونحو 2.49 مليار دولار خلال النصف الأوّل من العام 2020.
بمعنى آخر، يمثّل عجز ميزان المدفوعات المسجّل لغاية شهر حزيران الماضي أكبر عجز يشهده لبنان في هذا المؤشّر منذ حصول الانهيار المالي. مع الإشارة إلى أن عجوزات هذا المؤشّر كانت تسجّل أرقاماً أعلى قبل حصول الانهيار، قبل أن تقوم المصارف بفرض قيود على تحويلات المودعين إلى الخارج.
السبب الأساسي لارتفاع عجز هذا المؤشّر بهذا الشكل في النصف الأوّل من العام، يتمثّل بارتفاع كلفة استيراد المحروقات، مع ارتفاع أسعار النفط العالميّة.
فمقارنة أسعار النفط العالميّة تُظهر أن البنك المركزي البريطاني يتوقّع أن يبلغ متوسّط سعر برميل خام برنت هذه السنة نحو 103 دولارات، مقارنة بمتوسّط لم يتجاوز 70.68 دولاراً خلال العام الماضي، و41.96 دولاراً خلال العام 2020. وكما هو معلوم، حين ترتفع أسعار النفط، لا ترتفع فقط فاتورة استيرادها بالنسبة لدولة كلبنان، بل ترتفع أيضًا فاتورة استيراد سائر المواد التي تدخل كلفة المحروقات في تسعيرتها. مع الإشارة إلى أن الأسواق العالميّة تسجّل اليوم معدلات تضخّم مرتفعة، أثّرت على كلفة الغالبية الساحقة من السلع الأساسيّة المستوردة، ومنها المواد الغذائيّة.
في خلاصة الأمر، تتزايد الضغوط النقديّة والماليّة نتيجة تحوّلات خارجيّة من جهة، ونتيجة فراغ الساحة الداخليّة من أي خطة معالجة فعليّة للأزمة القائمة، أو أي معالجات يمكن أن تحد من الضغوط الخارجيّة. وفي بيئة ماليّة من هذا النوع، يصبح لبنان في موقع المتلقي والمتأثّر سلبًا بهذه التحوّلات، من دون أن يملك ما يمكن الرهان عليه بالنسبة للمستقبل.