كثيرة هي الأخبار التي تتحدث عن أعداد ولادات اللاجئين السوريين في لبنان، والتي ارتفعت كثيراً في الأعوام الأخيرة، إلا أن المعلومات الرسمية أو تلك التي تصدر عن الهيئات المختصّة والمعنيّة بالملفّ تضع المسألة في إطارها الصحيح.
لقد تردّد في الآونة الأخيرة أن لكل 6 ولادات للاجئين سوريين ولادة واحدة للبناني، مع ما تعني هذه المعطيات من تأثير سلبي كبير على التركيبة الديموغرافية والسكانية للبنان، وسط الهجرة المتزايدة لأبنائه الى الخارج، فأيّ حقيقة لهذا المعطى، وفق الأرقام؟
من المعلوم أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان تهتم بأمور جميع اللاجئين في لبنان، من مختلف الجنسيات وليس فقط اللاجئين من الجنسية السورية. إلا أن العدد الأكبر حالياً هو من اللاجئين السوريين، وإن كانت هناك أعداد أخرى من لاجئين عراقيين، سودانيين وغيرهم.
ومنذ ان اشتعلت الحرب السورية وتوافدت أعداد اللاجئين الى لبنان، والمفوضية تُعنى بحالاتهم، وترصدهم وتسجّلهم.
صحيح أن الأرقام المسجلة قد تكون مختلفة عن أرقام الواقع، إذ ثمّة حالات قد تبقى خارج التسجيل، لكن هل صحيح ما جرى تداوله حول أعداد ولادات اللاجئين المرتفعة؟
196،266 طفلاً لاجئاً
تقول المسؤولة الإعلاميّة والمتحدّثة الرسميّة لدى المفوّضية السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين في لبنان دلال حرب لـ”النهار” إنه “في ما يخصّ الولادات لدى اللاجئين السوريين في لبنان، وحتى نهاية 2021، هناك 196،266 طفلاً مولوداً من أبوين لاجئين سوريين ومسجلين لدى مفوضية اللاجئين في لبنان”.
بالطبع، لا تدخل المفوضية في الشرح أو التحليل السياسي أو تأثير ذلك على المعطى اللبناني، لكن تلفت حرب الى أن “الاعتراف بحق كل طفل في التسجيل عند الولادة أولوية. لذلك، تقوم مفوضية اللاجئين من خلال عملها الإنساني بإنقاذ الأرواح وحماية حقوق اللاجئين والنازحين داخل بلادهم وعديمي الجنسية (أي مكتومي القيد) ومساعدتهم على بناء مستقبل أفضل، لأن مراعاة الأحوال الشخصية للاجئين في لبنان تأتي تحت قسم حماية حقوق اللاجئين ومستقبلهم”.
لكن إن كانت هذه الأرقام الرسمية هي المسجلة لديكم، فماذا عن الحالات غير المسجلة، هل من رصد لها؟
تجيب: “هذه من الأولويات التي عملنا عليها، وقد تُرجمت هذه الأولوية بجهود الحكومة اللبنانية أيضاً بالتعاون مع المفوضية، بعدما باشرت الحكومة في عام 2017 سلسلة من التطورات لتسهيل تسجيل المواليد والزواج للأطفال والآباء اللاجئين”.
وتكشف أنه “بفضل دعم الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لبناء القدرات في المؤسسات المحلية والوطنية، وتقديم المشورة والمساعدة والتوعية، تم إحراز تقدم كبير في عملية تسجيل الولادات وارتفعت نسبة الولادات المسجلة على مستوى النفوس من 36٪ في عام 2017 إلى 51٪ في 2021 ومن 17٪ على مستوى سجلّ الأجانب إلى 31٪”.
ارتفاع أم انخفاض
في بداية عام 2018، كان لافتاً القرار الذي اتخذته الحكومة اللبنانية آنذاك والذي سمح بتسجيل جميع الأطفال السوريين الذين وُلدوا في لبنان منذ بداية عام 2011 بصورة إدارية، أي من دون الحاجة الى قرار قضائي.
حينها، منحت الحكومة وزارة الداخلية والبلديات سلطة لتسجيل الولادات السورية في لبنان بعد عام 2011 من دون إجراءات قضائية معقدة، وذلك من باب التسهيلات، ولئلا تبقى ولادات خارج قيد التسجيل، وبالتالي خارج دائرة الإحصاء.
أما عملياً، فتشرح حرب أن “الأعوام القليلة الماضية شهدت تقدماً ملحوظاً في عملية تسجيل الولادات، وذلك بفضل جهود الحكومة اللبنانية، وبدعم من المجتمع الدولي. وإن كان هذا التقدم تراجع قليلاً، وفق إحصاءات عام 2020 بسبب عمليات الإغلاق المرتبطة بـ COVID-19 وتأثيرها على أنشطة التوعية والإرشاد القانوني، والإغلاق الموقت ايضاً للمؤسسات وبسبب تزايد عدم قدرة اللاجئين على تغطية التكاليف المرتبطة بإجراءات التسجيل، وهذا ما يفسرّ التباين أو الاختلاف بين ارتفاع إشعارات الولادة الصادرة عن المستشفيات أو الأطباء أو القابلات القانونيات وشهادات الميلاد الصادرة عن المختار ومستوى شهادات الميلاد المسجلة لدى سجلّ النفوس وسجل الأجانب”.
إذن، هل ثمة ارتفاع لعدد ولادات اللاجئين أم انخفاض، وفق مقارنة الأرقام؟
إذا انطلقنا من إطار التسجيل، نرى أنه بسبب جائحة “كورونا” فإن حالات التسجيل انخفضت لكن المسار لا يزال مكملاً، والدليل أنه إذا قارنّا الأرقام بين عامي 2017 و2019، نلحظ أن 30 في المئة من أطفال اللاجئين السوريين المولودين في لبنان تم تسجيلهم على مستوى سجل وقوعات الأجانب في 2019، وهو ما يشكل زيادة بنسبة 10 في المئة مقارنة بعام 2017″.
دائماً بالأرقام، وبعيداً عن الأخبار التي ترمى عشوائياً، يكشف الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين لـ”النهار” أن “ما جرى تداوله من أرقام حول ولادات اللاجئين ليس دقيقاً، لأنه إذا صح أنه مقابل كل 6 أو 7 ولادات سورية ثمّة ولادة واحدة للبناني، فهذا يعني أن أعداد السوريين في لبنان وصلت الى أرقام هائلة ومرتفعة جداً. لذلك، أرى أن ثمة تضخيماً كبيراً للأرقام”.
في المقابل، وبمعزل عن أعداد ولادات اللاجئين السوريين، فإن الولادات اللبنانية سجّلت تراجعاً في الأعوام الأخيرة، ووفق شمس الدين هي تراجعت من “93 ألف ولادة عام 2019 الى 68 ألفاً عام 2021”.
هكذا، ومهما بلغت عدد الولادات السورية فإن المسألة أعمق من رقم، لأنها مرتبطة حكماً بالتركيبة السكانية للبلد وبأيّ تغيير ديموغرافي محتمل له ولهويته، وسط الهجرة التي تزايدت في الأعوام الاخيرة… إذ تكفي الإشارة الى أن أكثر من نصف المقيمين في لبنان يرغبون في الهجرة (وفق الإحصاء المركزي)، فأي رسم بياني يمكن أن يكون لهذا البلد في المستقبل؟! إنها لصورة قاتمة حتى الآن!
النهار