بعدما أعادت المديرية العامة لرئاسة الجمهورية مشروع المرسوم المعدّ من قِبل وزارة المال والرامي الى تحديد سعر الدولار الاميركي من أجل احتساب قيمة البضائع الواجب التصريح بها للجمارك لأسباب فنّدتها الوزارة، ولكون الاستمرار باستيفاء الرسوم والضرائب من قِبل إدارة الجمارك على البضائع المستوردة على اساس سعر صرف الدولار عند 1507.5 ليرات والمحدد من مصرف لبنان يكبد الخزينة اللبنانية خسائر كبيرة بحسب رئاسة الحكومة، تحرك الرئيس نجيب ميقاتي وأرسل كتابا طلب بموجبه من وزير المال يوسف خليل إتخاذ الاجراءات اللازمة لاعتماد دولار جمركي عند 20 الف ليرة.
وقال ميقاتي في كتابه الى وزير المال ان من الضروري تأمين إيرادات إضافية لتغطية النفقات الضرورية التي ترتفع بشكل كبير نتيجة التراجع الهائل في القيمة الشرائية لليرة اللبنانية، لاسيما في ضوء ما تعانيه خزينة الدولار من شح في الواردات. ففي ضوء التداولات التي جرت في الاجتماع الذي عقد في السرايا الحكومية والذي بنتيجته اتفق جميع الحاضرين على المضي قدما بالعرض المقدم من وزارة المال لجهة إعتماد سعر #الدولار الجمركي عند 20 الف ليرة. ومن هنا، طلب ميقاتي من خليل إجراء ما يلزم لاتخاذ القرارات المناسبة لاعتماد الطرق الكفيلة التي تجيزها الاحكام القانونية المرعية الاجراء لاسيما قانون النقد والتسليف، المادة 229 منه، من أجل تحديد سعر الدولار الاميركي عند 20 الف ليرة لاحتساب قيمة البضائع الواجب التصريح بها للجمارك بعد استطلاع رأي مصرف لبنان والتنسيق معه بهذا الشأن.
بدوره، سارع وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام ليطمئن المواطنين الى أن “انعكاس ارتفاع الدولار الجمركي على المواد الغذائية سيكون محدودا جدا”، معتبرا ان “موازنة 2022 عندما درستها الحكومة لم يتضح الأمر كفاية للرأي العام أنها موازنة استثنائية، وهي ومن ضمنها سعر الدولار الجمركي، سببها الظروف الاقتصادية والمالية والنقدية الاستثنائية. وأشار إلى أن هناك بلدا يجب أن يدار، وإدارات عامة ورواتب مع ضرورة تأمين المداخيل، فكل دول العالم تؤمن مداخيلها من الضرائب والجمارك وغيرهما، ومن هنا لا بد من إجراء تعديل، وهو ما أوصلنا إلى الدولار الجمركي”. ولفت إلى أن عددا كبيرا من الوزراء والمستشارين أوضح أن هذه الضرائب “ستصيب الكماليات، وهو توصيف فضفاض”، وقال: “فعليا، هي تتجه صوب الكماليات، وأمور أخرى في كل دول العالم وُضع عليها هامش ضرائب كالتي نعمل عليها، ومن العدل والانصاف ان يطبق عليها الدولار الضريبي او الدولار الجمركي الجديد، إذ من المستحيل الاستمرار على سعر 1500، والجميع اطلع على هذا الأمر”. وأكد سلام ان سعر صرف الدولار الجمركي عند 20 الف ليرة “سيساعد في تحسين مالية الدولة وانتعاش القطاع العام وإعادة الحقوق إلى الموظف من أجل استمرار الإدارات العامة في عملها، ومنع انهيار الدولة. كما سيساعد الدولة من 6 أشهر الى سنة، في تمرير الازمة الراهنة والامر قابل لاحقا لإعادة النظر والدراسة وأن تكون له جدوى اقتصادية”. وتابع في مؤتمره الصحافي: “أنا كوزير معني أطمئن المواطن الى أن تداعيات الدولار الجمركي على الأمن الغذائي ضئيلة جدا جدا ومعظم المواد الغذائية معفاة من الضريبة الجمركية. أنا على تواصل مع كل المعنيين بهذا الموضوع، وهناك بعض المواد الغذائية التي تخضع للدولار الجمركي الجديد، ولكن علينا التوضيح أن جزءا كبيرا منها عليه رسوم جمركية عالية لأنها تنافس الصناعات الغذائية المصنوعة في لبنان. ونحن اليوم بسياستنا الصناعية نضع رسوما عالية على اي منتج ينافس الانتاج اللبناني، وهذا موضوع لا يمكننا التساهل به. فالمواد الغذائية التي ستتأثر برفع الدولار الجمركي هي اجبان فاخرة مستوردة وبعض المعلبات والخضار التي تصل ضمن اكياس ولها صناعات رديفة في لبنان، فيما سيعقد اجتماع مع وزير المال حول الجداول التي تتضمن المواد الغذائية والخاضعة للدولار الجمركي الجديد وسيعاد النظر بها ويتم خفض الرسوم عليها”.
بعد قرار رفع الدولار الجمركي إلى 20 ألف ليرة يُطرح السؤال عن توجّه لدى مُعظم الوزراء لاعتماد سعر صرف موحد في موازنة العام 2022 يوازي سعر الدولار الجمركي – أي 20 ألف ليرة. فهل هذا الأمر مُمكن، وما هي الصعوبات التي قد تواجه مثل هذا الخيار، خصوصًا أن توحيد سعر الصرف هو مطلب لصندوق النقد الدولي؟ يُعرّف الدولار الجمركي على أنه سعر الصرف الذي يُدفع على أساسه الرسم الجمركي. فمثلًا إذا كان سعر سلعة مُعينة 100 دولار أميركي، ومع مُعدّل رسم جمركي 5%، يتوجّب على التاجر صاحب السلعة أن يدفع للخزينة العامة رسما جمركيا يبلغ 5 دولارات ولكن بالليرة اللبنانية. هذا السعر هو ما يُعرف بالدولار الجمركي. قبل الأزمة لم يكن هناك من إشكالية بحكم أنه كان هناك سعر صرف واحد هو 1500 ليرة للدولار الواحد، لكن مع بدء الأزمة وخلق سوق سوداء للدولار الأميركي مُقابل الليرة اللبنانية، إستمرّ التجار بدفع الرسم الجمركي على سعر 1500 ليرة للدولار الواحد وهو ما خلق نوعا من الخسارة على الخزينة العامة بحكم أن تاجر سيارات – مثلًا – يسُعر السيارة بما فيها الرسم الجمركي على سعر السوق السوداء، مع العلم أنه يدفع على سعر الـ 1500 ليرة. القرار اتُّخذ! ولكن على أي أساس قانوني؟ الجواب هو أنه بعد رفض رئيس الجمهورية توقيع المرسوم، قام الرئيس ميقاتي بالإعتماد على قانون موازنة العام 2019 الذي أعطى الحكومة الصلاحية التشريعية في ما يخص الشأن الجمركي. وهو ما استخدمه ميقاتي وأخذ موافقة وزرائه عليه وأعطى صلاحية تحديد قيمة الدولار الجمركي لوزير المال بالتضامن والتكامل مع حاكم المصرف المركزي نظرًا إلى امتلاكهما المُعطيات اللازمة من الجهة المالية والنقدية.
– أول الإجراءات هو إقرار قانون “الكابيتال كونترول” الذي يُنظّم ليس التحاويل المصرفية فقط، ولكن أيضًا تحاويل التجار الذين بعد شرائهم الدولارات من السوق اللبنانية، يُرسلونها إلى الخارج بحجّة الإستيراد من دون أن يكون هناك تأكيد أنه تمّ استخدامها بالكامل للإستيراد. إضافة الى ذلك التهريب إلى الدول المُجاورة والذي يُبقي الدولارات التي تمّ الإستحواذ عليها من السوق اللبنانية، في الخارج.
– ثاني هذه الإجراءات، بحسب عجاقة، هي ملاحقة التطبيقات التي تُشوّه عمل السوق وتخدم مافيات تستفيد بمئات ملايين الدولارات، ويُحركها لاعبون محليون كما سبق وورد في تقارير وسائل إعلامية محلّية. أيضًا هناك إلزامية لفرض قبول البطاقات المصرفية من قِبل التجار نظرًا إلى أن الإستمرار في اعتماد “الكاش” يعني طبع العملة من قِبل مصرف لبنان لتلبية حاجة السوق وهو ما سينعكس إنخفاضًا في سعر صرف الليرة ومزيدًا من التضخم. أيضًا هناك إلزامية على الدولة لمحاربة تجارة الشيكات والتي تضرّ بالمودع والليرة في آن واحد حيث تقوم العديد من الشركات بشراء شيكات مصرفية في السوق السوداء بقيمة أقلّ من قيمتها الإسمية وذلك لدفع أجور موظّفيها ودفع الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة.
– ثالث الإجراءات هو لجم إنفاق الدولة من الإستيراد عبر ترشيق هذا الإنفاق (مثلاً إستيراد الفيول) وتحويله إلى إنفاق إستثماري، وخفض حجم القطاع العام غير المُجدي (مؤسسات نصّ عليها تقرير لجنة المال والموازنة في العام 2019).
– رابع هذه الإجراءات هو تحفيز النمو الاقتصادي بحكم أن العلاقة التي تربطه بسعر الصرف هي علاقة إيجابية ميكانيكية، أي أن ارتفاع النمو الاقتصادي يُعزّز قدرة العملة الوطنية وانخفاضه يؤدّي إلى فقدان قيمتها”.
وينهي عجاقة بالاشارة الى ان قضية توحيد سعر الصرف هي نقطة إنطلاق للعديد من الإجراءات والإصلاحات، وبالتالي فإنها مُرتبطة بشكل كبير بالتوافق السياسي بين الأفرقاء.
النهار