بعد عامين ونصف على بدء جائحة كورونا التي شكّلت صدمةً اقتصاديةً عالمية دفعت بالمصارف المركزية، كالفدرالي الاميركي والمركزي الاوروبي والمركزي الصيني والمصرف المركزي الروسي … لطباعة عشرات تريليونات الدولارات وضخها في الاسواق المالية، ما خلق وفرة في النقد وأتاح تمويلات ميّسرة من دون فوائد، شكّلت الحرب الروسيه -الاوكرانية منعطفاً اكثر خطورة على استدامة النمو الاقتصادي، خصوصاً انّه لا يمكن توقّع نهايتها حتى الآن.
تزاوج فائض السيولة مع ارتفاع المخاطر وشح الإمدادات خصوصاً الطاقة والمواد الأساسية كالحبوب، فارتفعت أسعار المواد الاولية والسلع والخدمات في كافة أرجاء العالم بنسب كبيرة جداً وصلت إلى اكثر من 200% على معظم السلع، ومعها ارتفعت ايضاً اسعار الخدمات، في دوامة مستمرة منذ شباط، ولا أفق لحلها بعد.
عالمياً، مداخيل المستهلك عادة ما تكون ثابتة وتنمو بمعدل 3% إلى 5% سنوياً، بنسبة لم تعد تتماشى ومستويات التضخم المرتفعة، ما يُترجم تراجعاً في القدرة على شراء السلع والمنتجات. اقتصادياً، ارتفاع مستويات التضخم بشكل صاروخي في موازاة استقرار في الدخل، يعني تراجع الطلب على السلع، ومعها يتراجع تصنيع السلع والخدمات المرافقة، فتتأثر الدورة الاقتصادية التي تشهد ركوداً، فيما الاسعار ترتفع تدريجياً لتصل إلى مستويات قياسية. وهو بالتحديد ما يمكن تسميته «shrink flation».
ما هو shrink flation؟
المصطلح الجديد يحدّد وبوضوح ومن خلال عبارة «Shrink» التقليص المستجد في حجم وكمية المنتج بحسب الطلب، وتدريجياً لعدم خلق صدمة في الاسواق. أما مصطلح «flation» فيشير إلى الارتفاع في اسعار المنتجات او الخدمات.
مثال على ذلك: إذا كانت علبة البسكويت تحتوي على 100 غرام وكان سعرها 3$، يعمد المنتجون في اوقات الـ shrink flation إلى تخفيض وزنها الى 75 غراماً وزيادة سعرها إلى 3.50$، بذلك لا يشعر المستهلك بتقليل الكمية، كما انّه لا ينتبه كثيرًا إلى زيادة السعر، فيستمر المستهلك بشراء المنتجات التي اعتاد استعمالها او الخدمات، من دون الحاجة إلى تغيير نمط الاستهلاك.
واقع اقتصادي مستجد فرضته أحداث غير اعتيادية، ما دفع بالمصنّعين والمنتجين ومقدّمي الخدمات إلى التكيّف لإرضاء المستهلك بأقل الخسائر الممكنة.
واقع أثّر سلباً على كل دول العالم، وانما تأثيره تضاعف في لبنان. وإلى كل العوامل الاقتصادية الخارجية التي طبعت الاقتصاد اللبناني، تُضاف العوامل الداخلية، من الأزمة المالية إلى النقدية والاقتصادية. فتراجع سعر صرف الليرة وحده فرض تضخماً قياسياً في الاسعار لامس 1000% او اكثر في بعض الاحيان.
كما تأثر لبنان بارتفاع كلفة المحروقات مع رفع الدعم عنها، ليدخل في دوامة تقلّص الانتاج وارتفاع الاسعار بشكل اسوأ من الدول الاخرى. ولا بدّ من الاشارة، انّه بالرغم من لجوء المنتجين والمصنّعين ومقدّمي الخدمات الى تقليص حجم انتاجهم ومحاولة عرض اسعار تنافسية، الّا انّ نمط الاستهلاك في لبنان قد تغيّر.
فعلياً، لبنان امام أزمات اقتصادية ونقدية ومعيشية صعبة، تتفاقم يوماً بعد يوم، فيما لا يزال افق الحل غائباً. وفيما تصدّر لبنان بأزمته المراكز الاولى عالمياً، قد يصنع مرة اخرى العنوانين او يخلق واقعاً اقتصادياً مختلفاً على حساب الشعب والمواطن والرفاهية والعيش الكريم.
الجمهورية