هل يشهد شهر أيلول المقبل توقيع إتفاقية الترسيم الحدودي البحري بين لبنان والعدو الاسرائيلي، على ما يشيع هذا الأخير، كونه مستعجل لشفط الغاز من حقل «كاريش»، الذي تمّ تأجيله الى أواخر الشهر المذكور، على اعتبار أنّه لن يتنازل عن العمل في هذه المنصّة؟! وهل يُناسب لبنان العرض «الإسرائيلي» الجديد الذي نقله الوسيط الاميركي في المفاوضات غير المباشرة للترسيم آموس هوكشتاين، الى نائب رئيس مجلس النوّاب الياس بو صعب، قبل إبلاغه شخصياً الى المسؤولين اللبنانيين خلال زيارته المرتقبة، والتي حدّدها العدو الاسرائيلي بأنّها ستحصل بعد أسبوع؟!
مصادر سياسية مطّلعة، أكّدت أنّ لبنان الرسمي أوضح موقفه كاملاً للوسيط الأميركي، مشدّداً على ما يتمسّك به ولا يُمكنه التنازل عنه في المنطقة البحرية الخالصة، ما يجعل هوكشتاين يتوقّع ما سيكون عليه موقف لبنان من أي عرض «إسرائيلي» قديم أو جديد. ولهذا لم يستعجل العودة الى لبنان، بل اتصل بالنائب بو صعب واضعاً إيّاه في آخر الإتصالات التي أجراها ويستكملها خلال الأيام المقبلة مع المسؤولين «الإسرائيليين»، ليُعاود بعدها التواصل معه خلال أسبوع لاستيضاح بعض النقاط، على ما جاء في البيان الذي صدر عن المكتب الإعلامي لنائب رئيس المجلس النيابي بو صعب، تمهيداً لوضع تصوّره خطيّاً لما ناقشه في لبنان خلال زيارته الأخيرة.
وتقول المصادر بأنّ ما يتمّ تداوله في بعض الوسائل الإعلامية «الإسرائيلية» وتنقلها عنها بعض وسائل الإعلام اللبنانية، لا تعبّر حقيقة عن واقع المفاوضات، وهي «غير مبنية على أي معطيات أو مواقف رسمية»، ما يجعل مسألة توقيع الإتفاقية عالقة بين السلبية والإيجابية، بحسب الردود والردود عليها. علماً بأنّ موقف لبنان بات معلوماً، وهو أنّ العدو الإسرائيلي لن ينقّب عن الغاز أو يشفطه من حقوله، في الوقت الذي يبقى فيه لبنان متفرّجاً. فمثل هذا الأمر لن يقبل به لبنان وسيتصرّف لاحقاً إنطلاقاً من هذا الأساس.
وفيما يتعلّق بتوعّد «الإسرائيلي» حزب الله بالحرب إذا شنّ أي هجوم على حقل «كاريش»، أجابت المصادر عينها بأنّه ليس من مصلحة «الإسرائيلي» شنّ الحرب حالياً كونه سيبدأ في ضخَّ الغاز الطبيعي من منصة «كاريش» أواخر أيلول المقبل على ما يُعلن، وأي إشعال للجبهة الحدودية مع لبنان من شأنه عدم طمأنة سفينة «إنرجين باور»، وشركات النفط الدولية لاستكمال العمل في منطقة نزاع حامية. كما أنّه سمع موقف لبنان عبر الوسيط الاميركي عن أنّه لن يبقى ساكتاً عن الحظر الذي يفرضه على شركة «توتال» الفرنسية، لتأجيل أعمال التنقيب والإستكشاف في البلوكين 4 و 9. فلو سلّمنا جدلاً بأنّ البلوك 9 يقع عند الحدود المتنازع عليها، فلماذا يمنع «توتال» من العمل في البلوك 4 البعيد كل البعد عن الحدود وعن المنطقة البحرية المتنازع عليها؟!
وبرأي المصادر، أنّ العدو الاسرائيلي سمع جواب حزب الله على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله، لهذا عليه أن يحسب حساب الخطوات التي سيقوم بها، ويُفكّر جديّاً بمسألة فكّ الحظر عن عمل «توتال» أو سواها في البلوكات البعيدة عن منطقة النزاع. وفي حال لم يستجب، فإنّ لبنان سيعمد الى فسخ الإتفاقية مع «توتال» التي ترأس كونسورتيوم الشركات، وفتح تراخيص جديدة أمام شركات قادرة على العمل في بلوكاته البحرية.
وأوضحت المصادر نفسها بأنّ «الإسرائيلي» لا يريد أن يكون لبنان دولة مصدِّرة للغاز والنفط، ويتمكّن خلال سنوات من إصلاح وضعه الإقتصادي والمالي في أسرع وقت ممكن، بل أن يكون هو السبّاق الى تصدير هذه المواد المطلوبة جدّاً الى الدول الأوروبية . ولهذا يحاول وضع العصي في دواليب عمل الشركات الدولية في البلوكات اللبنانية، ويحتج بالتالي لدى الأمم المتحدة على القرار الذي اتخذه لبنان بفتح دورة التراخيص الثانية لتلزيم بلوكات أخرى واعدة بعيداً من المنطقة المتنازع عليها، ولا سيما البلوك 5.
وأشارت المصادر الى أنّ أي إتفاقية لا يُمكن أن تحصل من دون تنازل من قبل الجانبين، وإعطاء مساحة معيّنة مقابل مساحة آخرى. فلبنان تراجع عن الخط 29، في محاولة منه لإظهار حسن نواياه بالتوافق على ترسيم الخط الحدودي، لا لكي يعطي كلّ شيء الى العدو الإسرائيلي ويخسر حقوقه البحرية. فيما لا يبدو أنّ «الاسرائيلي» موافق على التنازل من جهته، بل يصرّ على الإعلان عن أنّه لن يتنازل. ولهذا تبقى الخيارات مفتوحة أمام لبنان في حال وصل «الإسرائيلي» تعنّته، واستكمل عملية ضخَّ الغاز، مقابل استمرار الضغط على شركة توتال» التي أجِّلت عملها في البلوك 9، الذي كان مقرّراً أن يبدأ منذ سنوات، الى أيّار من العام 2025.
ومثل هذا الأمر لن يكون مقبولاً بعد اليوم من قبل لبنان، ولهذا سيتصرّف وفق ما ينصّ عليه العرض «الاسرائيلي» الجديد الذي ذكرت بعض التسريبات اأنّه يتضمّن تنازلات «إسرائيلية» عن مساحة داخل البحر، مقابل تنازل لبنان عن مساحة أكثر قرباً من الشاطىء الساحلي
من هنا، شدّدت المصادر السياسية ذاتها، على أنّ الحسابات يقوم بها الأميركي و»الإسرائيلي» معاً، واللذان كانا يستعجلان توقيع الإتفاقية منذ بداية العام الحالي، لكي تتمكّن «إنرجين باور» من العمل في «كاريش» في حزيران على ما كان يُروَّج، ثمّ جرى تأجيل عملها الى أيلول المقبل. أمّا اليوم، فقد يعرضان اقتراحات جديدة من شأنها فرملة سرعة توقيع الإتفاقية في انتظار الإستحقاقات الداخلية ومفاوضات فيينا المتعلّقة بالاتفاق النووي بين أميركا وإيران.
أمّا لبنان، على غرار العدو الاسرائيلي، فله ارتباطاته الإقليمية أيضاً، على ما عقّبت المصادر، ويصعب الجزم بحصول الإتفاقيات والتسويات في ظلّ الظروف الراهنة. وذكّرت المصادر بأنّ اتفاقية 17 أيّار قد توقّفت بعد أن انتهت المفاوضات وصوّت مجلس النوّاب عليها، لهذا فإنّ كلّ إتفاقية لا تُصبح حقيقة واقعة فور التصويت أو التوقيع عليها، إنَّما عندما يبدأ العمل بتنفيذ بنودها. وهذا الأمر من المستبعد أن يحصل فيما تبقّى من العهد الحالي، وسيكون مؤجّلاً حتماً الى العهد الجديد.
المصدر :الديار