عادَ ملف السّجون الى الواجهة من جديد في ضوء الحديث عن ظروف صحية مأسويّة يعيشها السجناء في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، إذ ازداد نقص الغذاء وسط انقطاع الكهرباء والدواء والاستشفاء، وكل ذلك سبّب في موت بعض السجناء.
ولهذه الغاية، وجّه الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكيّة، بتوجيه من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، كتاباً الى وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، لإجراء تحقيق فوري وعاجل بشأن ما يُحكى عن وضع صحيّ مستجدّ في سجن رومية نتجت عنه وفاة عدد من السجناء، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة الموضوع في حال صحته بالسرعة الممكنة.
ونفذ أهالي السجناء الاسلاميين اعتصاماً في ساحة رياض الصلح وسط بيروت، مطالبين بالعفو العام وتسريع محاكمتهم.
كذلك، أعلنت وزارة المالية في بيان أن “الوزارة أنهت اليوم إجراءات إحالة مبلغ عشرة مليارات ليرة لبنانية من احتياط الموازنة للعام 2022 وفق مرسوم نقل اعتماد لمصلحة وزارة الداخلية والبلديات – المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي والسجون لتأمين جزء من الاعتماد لتغذية السجناء من مواد ووجبات غذائية”.
13 يوماً من “البهدلة”
سليم (اسم مستعار) يشرح لـ”نداء الوطن” كيف تعرّض ورفاقه لتوقيفات تعسّفية على خلفية حرق مبنى بلدية طرابلس خلال ثورة تشرين، في حين بقي الفاعلون الحقيقيون أحراراً طلقاء، على حد قوله، ويضيف: “كنا ستّة أشخاص حين نُقلنا إلى وزارة الدفاع. كان التعاطي سيّئاً. انقطعنا عن العالم الخارجي وحتى المحامي لم يُسمح له برؤيتنا. كان الملف مفبركاً فقط لتأديبنا لأننا تواجدنا في الساحات دفاعاً عن الوطن. تعرّضنا لإهانات لفظية وعنصرية، وبقينا معصوبي الأعين وأيدينا مكبّلة إلى الخلف بلا أكل وشرب ونوم ليومين متتاليين. حتى استخدام المرحاض لم يكن يُسمح به إلا على مزاج العناصر المناوبين. الحمّام مكشوف يدخله أحدنا مكبّلاً بالآخر”.
ويتابع الموقوف السابق: “بعد يومين نُقلنا إلى الريحانية، ووُضعنا مجدّداً في زنزانة إفرادية مخصّصة للحالات النفسية ولا مقوّمات للحياة فيها. سُمح لنا بالأكل الذي يشبه كل شيء إلّا الطعام الصالح للبشر، لكننا رضينا به لأن الجوع أدركنا. 13 يوماً مضت من دون استحمام، وكان باب الزنزانة يُفتح “تننسب ونتبهدل” لا أكثر”.
“كلّو واسطة”
محاكمة سليم لم تنتهِ، لكن قصّته خلف القضبان انتهت من حسن حظّه بسرعة. أما القصص الأخرى المشابهة، فلا تُعدّ. هذا سجين تواصلنا معه من داخل سجنه. ليست المرة الأولى التي يدخل فيها السجن ولسنا هنا في معرض الدفاع عنه في مطلق الأحوال. فالمرتكب يجب أن يُعاقب حتماً. تهمته تعاطي المخدّرات وهو يعرف “الشاردة والواردة”.
يقول زاهي (اسم مستعار): “هون الفقير بلا أكل، بيشطف الحمامات كرمال سيجارة بالنهار، والغني مدلّل ومرتاح وكفّو برقبة الفقير”.
مع هذا، أشار زاهي إلى أنه جرى منع إدخال الطعام من الخارج بحجّة التدابير الأمنية، في حين أن الهدف هو تشغيل “دكّان” السجن، ويعلّق ساخراً: “علبة الدخان برّا بـ30 ألفاً، وهون بتنباع بـ50 ألفاً. خايفين يتهرّب شي بالأكل؟ المخدّرات بتفوت والأكل ما بيفوت. الحبس مليان تلفونات وحبوب وكل شي بيخطر عبالكن وفي رؤوس كبيرة مستفيدة. في ناس بتفوت قصداً لأنو هون أحسن مطرح للصفقات”.
“نداء الوطن” سألت زاهي: كيف تجرؤ على محادثتنا من الداخل وعلناً، فيردّ: “في كل غرفة 3 أو 4 تلفونات، وكل تعليمة لحدا من أهل المساجين بتشريجة خط. هون يا عيني كلّو واسطة. بدِّك أكتر من إنو يلّي عندو واسطة بتجي صاحبتو لعندو زيارة… وفهمك كفاية”.
صور من داخل سجون لبنان: